بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..
ليست الهجمات التي تتعرض لها القطارات ببعيدة علينا، فعربات السكك الحديدية تتعرض للرجم كل يوم عند مرورها بالمناطق المأهولة المحاذية لمساراتها الثابتة. لا ذنب للقطارات سوى انها تنقل لنا ما نحتاجه من غذاء ودواء ووقود وبضائع ومنتجات صناعية وزراعية، ومع ذلك لم تسلم من غارات الرجم اليومي المكثف. .
ليست المشكلة بالقطارات ولا بقضبان السكة الحديد. بل بشحنات التفاهة المكبوتة في قلوب البعض، فتراهم ينفسون عنها بهذه الطريقة التي تضمن لهم مواصلة الرجم من دون ان تكون للقطارات اية وسيلة للدفاع عن نوافذها المهشمة. .
يبحث العدوانيون دائماً عن أهداف ثابتة أو متحركة يفرغون فيها مشاعرهم الغاضبة وانفعالاتهم النفسية، أو ربما للتعبير عن ردود أفعالهم إزاء اخفاقاتهم المتكررة، فمنهم من يتحين الوقت لضرب القطار، أو رجم حافلة تنقل الركاب، أو تكسير الأقداح الزجاجية والأطباق الخزفية لتفريغ طاقاتهم السلبية الناجمة عن ظروفهم القاهرة. ويرى بعض الاطباء ان علاج هؤلاء المرضى يتطلب السماح لهم بتكسير الصحون والأواني من أجل تخفيف نوباتهم العصبية. .
والشيء بالشيء يُذكر ان أدوات تويتر وفيسبوك منحت حق الرجم والتهريج لفيالق المستهترين والحمقى، ممن كانوا يثرثرون في الحانات والمزابل، وكان يتم إسكاتهم بالصفعات والركلات، لكنهم الآن يتمتعون بحرية الرجم والشتم وإطلاق اللعنات كيفما يشاؤون، وأصبحت نوافذ التعبير مفتوحة لهم بالمستوى الذي يتمتع به العلماء والفقهاء والأدباء، حيث لا فرق بين العالم والجاهل عند البلهاء في ميادين التهتك والانحلال. وهكذا انتشرت راجمات الشتائم والألفاظ النابية بشكل كبير في الآونة الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتزامنت مع ظهور قنوات وصفحات إلكترونية تحولت فيما بعد إلى منصات للقذف والشتيمة، في ظل غياب الرقابة التأديبية الرادعة. .
لكن اللافت للنظر ان بعض الأنظمة الحاكمة وبعض الاحزاب السياسية أسست لنفسها جيوشاً الكترونية لمواصلة الهجوم بلا هوادة ضد خصومهم. .
ولسنا مغالين إذا قلنا ان منصات التواصل هي الآن المنصات الرسمية للشتائم واللعنات. .
ختاماً نقول: إذا لم تكن شجاعاً في سوح القتال فإن قذف الناس بالحجارة لن يجعلك شجاعاً. حتى لو كان الهدف عربة من عربات النقل. .