بقلم: فالح حسون الدراجي ..
مرت قبل ثلاثة أيام، الذكرى الثالثة والثلاثون لاجتياح صدام للكويت، ذلك الاجتياح الذي انتهى بالتهام الدولة الشقيقة التهاماً كاملاً، وحسب قول أهلنا: ( إنوكلت من هالفج لهل الفچ )!
إذ، وخلال ساعات فقط، لم تعد على الخارطة دولة اسمها الكويت، حيث راح البلد، وتبخرت الحكومة، ومزق علم الكويت، وأطيح بدستورها وكل قوانينها، كما انتهت خلال ساعة، تلك العملة النقدية التي كان يتباهى ويتفاخر بها الكويتيون ..!
لقد أصبحت الكويت بين ليلة -مرعبة- وضحاها، أرضاً محروقة، وكأنها للتو خارجة من حرب كونية مدمرة، بحيث لن تجد في هذا البلد الوديع الآمن، بعد ساعات من الاجتياح سوى مؤسسات مسلوبة، وبنوك ومصارف منهوبة، ومراكز شرطة خاوية، مرعوبة، ومواطنين حائرين بين الهروب بأرواحهم، وترك كل ما لهم في هذه البلاد من تاريخ وذكريات وأملاك وأحلام وآمال، وبين المجازفة بالبقاء دون ضمانة لحياتهم ..!
إن يوم الثاني من آب (الأسود)، الذي مرت ذكراه في نهاية الاسبوع الماضي، لم يكن أسود في التقويم الكويتي فحسب، إنما كان أشد سواداً في الروزنامة العراقية أيضاً.. فالمواطنون العراقيون البسطاء لم يكونوا سعداء بما حصل للكويت في ذلك اليوم – كما يظن، أو يفتري بعض الكويتيين- لأن المواطن العراقي يعرف جيداً أن الثمن الحتمي لهذا الاجتياح لن يدفعه غيره-وهو ماحصل بعد ذلك فعلاً-.. وللحق والتاريخ أقول، إن العلاقة بين شعبي العراق والكويت كانت علاقة ودية وحميمية جداً، وثمة عشرات الشواهد والأمثلة الدامغة التي لن يجرؤ أحد على التشكيك فيها، ويكفي أن مئات الكويتيين كانوا قد تزوجوا عراقيات، من سكنة البصرة والزبير، وأن أبناءهم (الكويتيين) يفخرون بشجاعة وغيرة وشرف خوالهم العراقيين. كما أن هناك (الآن)، وفي مختلف دول العالم، الكثير من الشابات الكويتيات اللائي تزوجن من شباب عراقيين، وأنا أعرف الكثير منهم..
نعم، إن الكويتيين يحبون العراقيين- باستثناء بعض السياسيين والطائفيين، والمرضى المصابين بعقدة ( القزو )..!
كما أن العراقيين يحبون الكويتيين أيضاً – باستثناء البعثيين، المصابين بعقدة ( منين أجيبلهم أبو عدي يكسر روسهم)..! ولعمري أن العراقيين والكويتيين أشقاء وأحبة وأخوة تاريخياً وجغرافياً رغماً عن أنف صدام، (والحجَّاج)، وأنف موظفي (الأمگريشن) الكويتيين، ومعاملتهم الخشنة للعراقيين في مطار الكويت، أو في المنافذ الحدودية الأخرى، لأن الجذور القوية النابتة في أعماق الجغرافية العراقية الكويتية المشتركة، وسمو وأصالة العلاقات التأريخية بين الشعبين الشقيقين، أقوى من النفوس المريضة، وأقوى من كل مخلفات، وآثار جريمة 2 آب، ومن جنجلوتيات 25 فبراير، وهي كذلك أكبر من أحقاد النائب الطائفي وليد الطبطبائي وزميله النائب مسلم البراك، وبعض النواب السابقين والحاليين في مجلس الأمة الكويتي.. ورغماً عن أنف الصحفي (الأرعن) فؤاد هاشم الذي يطالب (بضم العراق الى الكويت الكبرى )..!! فضلاً عن استخدامه لغة السب والشتم والتشويه بحق العراقيين. وقد سبق المعتوه فؤاد الهاشم إلى هذا المستنقع الآسن، بعض أشباهه، أمثال: مفرج الدوسري وصالح الغنّام وفهيد البصيري ومحمد إبراهيم الشيباني ومحمد الجدعي، وغيرهم من الذين بالغوا بالاساءة الى العراق والعراقيين، حتى أن أحدهم تمنى عودة الحجاج بن يوسف الثقفي إلى حكم العراق (ليؤدب) العراقيين ويكسر (خشمهم) !
ولعل السؤال الأهم: هو لماذا لايتعظ سياسيو ونواب هذين البلدين من تجربة آب الأسود. ولماذا لايحل الشعبان الشقيقان قضاياهما الجغرافية، والإقتصادية، والحقوقية المتنازع عليها عن طريق الحوار والتفاوض واللجوء الى المحاكم، والهيئات القضائية الدولية، إن عجزت لغة الحوارات والمفاوضات، بدلاً عن التهديد، والوعيد، والإستعانة بالمدفع، والصاروخ، والطيارة.. او الإستقواء بالأجنبي، و أن يفهم الأخوة الكويتيون أن معادلات وتوازنات عديدة قد أعيد اليوم ترتيبها، وأن حسابات أمنية كثيرة قد تغيرت في الساحة الدولية – ووفقاً لهذه التوازنات الاضطرارية- فإن أمريكا ( الآن) ليست على استعداد للحضور مرة أخرى لإعادة الحكم الى آل صباح ..!
لذلك فأن على الكويتيين والعراقيين التعايش بحب وسلام وثقة، دون الحاجة لحماية الأساطيل الأجنبية وقطعاً فأن شعبي العراق والكويت قادران على حل مشاكلهما الحدودية وغير الحدودية بالتفاوض الودي، والطرق القانونية، وليس اللجوء الى الحرب والإجتياح، والتسقيط، أو اللجوء الى الوسائل القذرة، مثل: (شراء ذمم بعض السياسيين والنواب والمعممين العراقيين) واستخدامهم ساعة الحاجة كأحصنة طروادة !. إن التذكير الدائم بيوم 2 آب ضروري جداً، فهو يوم جريمة صدام المزدوجة التي أحرقت الأخضر واليابس في البلدين الشقيقين. ومخطئ جداً من يظن أن العراق انتصر في هذا اليوم الأسود، أو ربما يعتقد أن الكويتيين خسروا فيه، باعتبار ان نظام صدام قد ألغى الكويت من خارطة الوجود بوقت وسرعة قياسية لم يحدث مثلها في التأريخ من قبل.. وهو أمر قد يدغدغ مشاعر بعض أصحاب العواطف المريضة في المجتمع العراقي ! وفي المقابل فإن أي كويتي، سيكون مخطئاً أيضاً، لو ظن أن دولة الكويت هي الرابحة من هذا الإجتياح، على اعتبار أن دولة الكويت قد حصلت بعد الإجتياح على مكاسب مالية وجغرافية واعتبارية كبيرة، من خلال (بوريات) التعويضات، والإمتيازات الغليظة التي فتحت لها بأوامر وقرارات أممية، لتنقل المليارات العراقية من خزائن العراق الى خزائن الكويت – حكومة وشركات وأفراداً .. إنما الحقيقة – على الرغم من (دسامة) التعويضات التي تجاوزت الثلثمائة مليار دولار، واتساع المساحة الأرضية والبحرية الكبيرة التي حصلت عليها الكويت بعد عمليات الترسيم الحدودي- هي أن ذلك كله، لايعوض الخسارة الكبيرة التي أصيبت بها الكويت يوم الثاني من آب. تلك الخسارة التي بدأت من فقدانها لكل رصيدها المالي الهائل الذي خزنته وديعةً للأجيال القادمة، بعد أن دفعته ثمناً لذلك الغزو – وبالعملة الصعبة- سواء في تسديد فواتير ومصروفات الحملة العسكرية التي أخرجت صدام من أرض الكويت، أو لتسديد فواتير شراء المواقف الدولية الداعمة للتحرير، حتى أن البعض يقول، إن الكويت لم تزل تسدد بعضاً من ديون تلك الفواتير الباهظة حتى يومنا هذا، فضلاً عن إن الكويت فقدت بسبب الإجتياح أيضاً، أشياء أكثر أهمية من المال، كالهدوء والأمن والصفاء والراحة النفسية، وتلك الطمأنينة والتلقائية الإجتماعية التي كانت تشتهر بها الكويت قبل الإجتياح. ناهيك من نشوء تقاليد وعادات مرضية غريبة جديدة، وظهور جرائم وممارسات وأساليب فظة ماكان يعرفها المجتمع الكويتي من قبل.. اضافة الى بروز العامل الطائفي لدى الكويتيين، لاسيما بعد ازدهار بضاعة (اللحى) السلفية في سوق السياسة الكويتية، وبروز الجماعات التي أسست المقاومة المتصدية للإحتلال الصدامي آنذاك، والتي تسعى اليوم الى فرض رأيها في الشارع الكويتي بداعي استحقاقاتها في الوجود والإنتشار والإمتياز، سواء في مجلس الأمة أوفي الشارع الشعبي.
إن النصر برأيي لايقاس، ولايحسب، بالأوقات القياسية التي تحققها الجيوش في اجتياحاتها، ولا بحجم التدمير الذي يفعله الجيش في بنية الخصوم عند اجتياحها وتدميرها، إنما يحسب بقدر النتائج الوطنية، والإنسانية، والمنفعية، المتحققة للشعب المنتصر. ولو طبقنا هذه القاعدة على نتائج الوضع النهائي في العراق بعد اجتياح صدام للكويت، لوجدنا أن العراق الذي تعرض لعقوبات قاسية بسبب الغزو سيصاب لاحقاً بالشلل التام.. فعلى الصعيد العسكري تعرض العراق للتدمير على يد جيوش التحالف الدولي، بحيث دُمرَّت بنيته العسكرية والإقتصادية والإجتماعية، تدميراً كاملاً.. وبسبب الحصار المفروض من قبل المجتمع الدولي، انهارت البنى التحتية العراقية. ولعل المفجع في الأمر، أن العقوبات الدولية القاسية لم تنته مالياً سوى قبل فترة قصيرة، لكنها لم تنته معنوياً واجتماعياً وثقافياً حتى هذه اللحظة، إذ لم يزل المجتمع العراقي يدفع ثمن الحماقة الصدامية، رغم سقوط النظام ورحيله الى غير رجعة. لذا فإن العراق يعد الشريك الأكبر للكويت في الخسارة الحاصلة بسبب الإجتياح الصدامي.. ومادام البلدان قد خسرا الكثير بسبب التسرع والانفعال.. وعدم الثقة، والشحن، وعدم فهم الآخر، فإننا نتمنى على الجميع اليوم التفكير بهدوء، وتعقل، وعدم سماع الأصوات الناشزة التي تريد إعادة الفرع الى الأصل، أو تلك التي تريد إعادة (الأصل الى الفرع).. فالعراق والكويت بلدان مستقلان، متكاملان، وهما عضوان لهما اعتبارهما في جمعية الأمم المتحدة وفي بقية المنظمات والهيئات الدولية، فلا فرع لديهما، ولا أصل آخر، لذا أرجو من الجميع الإقلاع عن ترديد نغمة الفرع والأصل، وأدعو لتهشيم هذه الاسطوانة السخيفة خشية أن يضيع الفرع والاصل معآ ..!!