بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..
نشرت مواقع عدة مقالات مبنية على نتائج الحفريات الأثرية التي اجريت بالقرب من مدينة الناصرية، في مكان يُقال له: (أبو طبيرة)، وهو من الاماكن المرتبطة بالخطوط الساحلية القديمة لحوض الخليج العربي. وتحدثت تلك المقالات عن ميناء سومري مندثر بالقرب من مدينة أور الأثرية، وبما يؤكد ان السومريين كانوا أول من ركب البحر، وأول من تفنن في الحسابات الملاحية وقيادة السفن الشراعية. وقد ظهرت في الموقع بعض الركائز المينائية والواجهات الساحلية المخصصة لاستقبال السفن التجارية. .
يعود تاريخ الميناء إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد، وهذا ما أكده الفريق التابع لجامعة سابينزا الإيطالية (Italian University Sapienza)، والذي كان يقوده علماء الآثار: ليقيا رومانو (Lycia Romano)، وفرانكو داجوستينو (Franco D’Agostino) عام 2011، حيث اجرى الايطاليون دراساتهم الميدانية في الموقع القديم لأبو طبيرة المتموضع وقتذاك بمنتصف السهل الجنوبي لبلاد الرافدين على بعد 15 كم إلى الغرب من مدينة أور (العاصمة السومرية القديمة). .
بيّنت الدراسات ان اعماق الميناء كانت بحدود خمسة أمتار، ومساحته تعادل أكثر من تسعة أحواض سباحة أولمبية. .
تقول عالمة الآثار الايطالية (ليسيا رومانو) : لم نكن نبحث عن الميناء، لكننا اكتشفنا أثناء مسح الموقع حفرة لثعلب، وما ان نظرنا بداخلها حتى وجدنا لمحات عن بعض الجدران المبنية بالطوب الطيني (اللِبن) وهو الذي قادنا إلى العثور على هياكل الميناء القديم والأرصفة المبنية بمحاذاة ممر ملاحي متصل بالمدينة. .
وقال داجوستينو: إنه لم تظهر أي بقايا لسفن من الحفريات، لذلك ليس من الواضح نوع السفن التي كانت تعمل من الميناء. لكن الميناء، الذي يحتل مساحة كبيرة كان بالتأكيد مركزاً رئيسياً للمنطقة بأكملها. وقال إنه بفضل الممرات المائية، كان من الممكن للسفن الوصول مباشرة إلى البحر، وكذلك إلى داخل أور ومدينة أوروك السومرية الأبعد. ولا نعرف ما كان يسميه السومريون وقتذاك. .
وبالتالي يعد هذا الميناء أقدم المرافئ التي تم اكتشافها حتى الآن في العراق. وربما يقودنا إلى كتابة فصل جديد من تاريخ بلاد ما بين النهرين وحضارتها، ويدحض الفكرة القديمة التي كانت تقول أن مدن بلاد ما بين النهرين كانت محاطة (فقط) بحقول الحبوب وقنوات الري. .
آخذين بعين الاعتبار ان الموانئ السومرية مذكورة في الألواح المسمارية، ويمكن تمييز بعضها في صور الأقمار الصناعية. وسبق لعلماء الآثار اكتشاف مرافئ نهرية صغيرة في الضواحي المجاورة لمدينة أور نفسها، لكنها تعود إلى ما قبل 2000 عاماً. .
اما الميناء الأقدم الذي اكتشفته البعثة الايطالية منذ بضعة سنوات فيعود إلى 4000 سنة، وهو الآن في منطقة جافة مهجورة. تبعد عن موانئ العراق الحالية بنحو 200 كم بالاتجاه الجنوبي الشرقي. وهذا دليل ملموس على ان تيارات انهار العراق حملت معها ملايين الاطنان من الطمى والغريّن، واسهمت في عمليات الارساب والترسيب والطمر منذ آلاف السنين. ومازالت الموانئ العراقية تعاني من ضراوة هذه الظاهرة الطبيعية في منطقة مصب شط العرب وخور عبدالله. .