بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..
هذا ما نراه الآن في معظم مؤسساتنا التي تحولت برعاية المحاصصة السياسية إلى مستعمرات ومقاطعات يتحكم بها مدراء لا شغل لهم هذه الأيام سوى التعالي والتغطرس والتكبر واحتقار الموظفين وازدرائهم . فتسيدوا وتفرعنوا وأصبحت المؤسسات ملكاً مجيراً لهم ولأحزابهم. يتحكمون بها كيفما يشاؤون. حتى وصلنا إلى اليوم الذي صار فيه بعض المدراء يعاقبون الموظفين بقطع الراتب، وحجب المخصصات، وتعليق الحوافز، والحرمان بالنقل خارج حاضناتهم التشغيلية. وما إلى ذلك من العقوبات السينمائية التي تحارب الموظف بلقمة عيشه. .
قبل بضعة أيام كان احد الفراعنة يتجول في حديقة قصره (دائرته)، ثم أمر حاشيته باستدعاء موظف من أصحاب المواهب والمهارات لكي يوبخه ويقلل من شأنه، فلما وقف الموظف المطلوب بين يديه. نظر اليه الفرعون بازدراء وقال له: اتبعني يا هذا . . فتبعه الموظف لكنه ربما أسرع قليلا حتى سار بخطوات موازية لخطوات الفرعون. فانفجر الفرعون غاضباً، وطلب منه التراجع إلى الوراء، والسير خلفه، فالنظام الفرعوني لا يسمح للموظف الصغير مسايرة المدير الكبير، ولا يحق له مرافقته خطوة بخطوة، فالمدير العام المتفرعن أعلى وأرقى وأرفع وأعلم وأهم من كل الموظفين والموظفات في عصر الطغيان والمحاصصات. ولا يضاهيه أحد في جلالته وعظمته ودرجته الرفيعة التي نالها بلا استحقاق وبلا مؤهلات. .
لسنا بحاجة إلى تسمية هؤلاء بأسمائهم. فالوزارات تعرفهم، ومجلس النواب يعرفهم، والصحافة تعرفهم وتعلم بتهورهم واستبدادهم. لكنك لن تجد الذي ينتقدهم ويراقبهم، ولن تجد من يحد من خطورتهم، ولن تجد من يمنعهم من ظلم الناس. فالمنافع السياسية فوق الأعراف والقيم وتحظى الآن بالأولويات في معيار الدكاكين الاقتصادية. .
لم يأت تصرف هؤلاء الفراعنة من فراغ لو لم يجدوا من يدعمهم ويحميهم ويذود عنهم. .
لقد مررنا خلال سنواتنا الوظيفية بكل المراحل والسياسات. ولم نصطدم بأمثال هؤلاء الفراعنة إلا في حالة واحدة نادرة عندما كان (عبدالحسين الرماحي) يتربع في سبعينيات القرن الماضي على عرش المنشأة العامة للحفر والمسح البحري. كان الرماحي وقتذاك بدرجة توت عنخ آمون في جبروته. لكننا اليوم نقف حائرين أمام نماذج مستنسخة من الطغاة والفراعنة الذين وصل بهم الغلو والتمادي إلى الوقوع في مستنقعات النرجسية. .
ولله في خلقه شؤون. . .