بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..
ظل بعض الافندية حتى وقت قريب يلبسون بدلاتهم الشتوية بكامل قطعها الثقيلة في عز الصيف. يتبخترون بها تحت لهيب الشمس الحارقة بذريعة الحفاظ على أناقتهم ووقارهم واكتساب الاحترام. على طريقة ابن عمتي الذي كان يقطع المفاوز الصحراوية، ماشياً جيئة وذهابا بمحاذاة السكة الحديدية الممتدة بين محطتي الشعيبة وإرطاوي، وهو يلبس معطفه العسكري في القيظ الخانق بحجة منع اشعة الشمس من التسلل إلى جسمه النحيف. .
كانت هذه العادات مستشرية في ستينيات القرن الماضي. لكنني فوجئت بقيادي كبير من قادة الاحزاب المتكاثرة لدينا بالانشطار يستوقفني في بغداد التي طلقت الطاقة الكهربائية بالثلاث في شريعة الاحتباس الحراري المزمن. وينصحني بعدم إرتداء قميص (نص كم) لأنه لا يليق بمقامي، وينصحني أيضاً بارتداء (القاط والقبوط)، والظهور بمظهر سكان القارة القطبية المتجمدة، على الرغم من الأرقام القياسية الساخنة التي سجلتها العاصمة في هذه الأيام البركانية. .
قال صاحب هذه النظرية: من المعيب ظهور الرجل الوقور بالقميص أو التيشيرت. .
قلت له: هل سمعت بقول قائد الجموع العربية المقاتلة في حروب الاندلس. عندما قال:-
وَبَرَزتُ لَيسَ سِوى القَميصِ
عَن الحَشا شيءٌ دفوعُ
لَم أَستَلَب شرفَ الطباع
أيسلَبُ الشَرفُ الرَفيعُ
فالشرف يا سيدي السياسي ليس بالمظهر، ولا علاقة له بالشكليات. انظر الى الأوكراني (زيلنسكي) الذي ظل صامداً بوجه غارات أشرس الهجمات الحربية وهو يرتدي التيشرت بألوانه الزيتونية القاتمة. وانظر إلى لقاءاته مع قادة البلدان الكبرى بملابسه الميدانية الخفيفة. وهل سمعت كلام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في محضر رده على سخرية زعماء الدول السبع الصناعية الكبرى من ظهوره عاري الصدر، حين تساءلوا ساخرين: إن كان يجب أن يخلعوا هم أيضا ملابسهم ليبدوا أكثر قوة. . فقال لهم: لا ضير من خلع ثيابكم فوق الخصر، أو تحت الخصر إن أردتم، ولكن سيكون منظركم مقززا. .
ورحم الله شاعر العرب الكبير عندما انتقد هذه الأفكار المتحجرة بقوله:
أترى العفافَ مقاسَ أردية ظلمتَ إذاً عفافا
هو في الضمائر ِ لا تخاط ُ ولا تقصُّ ولا تكافى
اما على الصعيد العالمي فقد قاد البريطاني السير موزلي منظمة القمصان السود في ثلاثينيات القرن العشرين. وتصاعدت قبل بضعة اعوام نشاطات حزب القمصان الحمر في الأوساط التايلندية. .
ختاماً: الوقار حكمة وكرامة وعزة. وليس عمامة وعباءة وجلباب ومسبحة. .