بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..
يحق لنا ان نعلن الحداد الرسمي على ضياع فرص النقل العابر، وضياع مواردها الهائلة. ويحق لنا ان نذرف الدموع على موقعنا الاستراتيجي الذي يتوسط القارات الثلاث من دون ان نستثمره في المشاريع المستقبلية الواعدة. .
انظروا الآن كيف اتفقت الهند والولايات المتحدة والإمارات والسعودية والاتحاد الأوروبي على إنشاء ممر دولي عابر للحدود يربط جنوب آسيا بدول الخليج والدول الأوروبية يطلق عليه (IMEC). لكنه لا يمر بالعراق، ولا يقترب من حدوده. .
كنا حتى وقت قريب نتخوف من الممر الدولي المعبّر عنه بالأحرف (ITI) والذي يربط عواصم تركيا وايران وباكستان. لكنه ينحرف بعيدا شرق العراق من دون أن يمر بنا. وكنا نتخوف من الممر الدولي المعبّر عنه بالاحرف (INSTC) والذي يربط الهند باوربا عن طريق ايران واذربيجان وروسيا، لكنه ينعطف بعيدا خارج حدودنا. ثم جاء الممر الهندي الشرق أوسطي المعبّر عنه بالاحرف (IMEC) ليتقوس غرب العراق من دون أن يمر بنا أيضاً. .
أبداً ليست صدفة عندما تتحاشانا الممرات الدولية، وعندما تتعمد الابتعاد عنا، وعندما تنفر منا، وتلتف حولنا. .
العالم كله يدرك أهمية موقعنا الجغرافي الذي لا مثيل له في كوكب الأرض، فالعراق جسر العالم القديمة، والمحطة الكبرى لقوافل التجارة البحرية والبرية. وكانت (الموصل) حلقة الوصل لتجارة الشرق والغرب. .
اما لماذا اصبحنا خارج الاسراب الدولية ؟، وخارج المسارات العالمية ؟، ولماذا تحولنا إلى دولة شبه مغلقة ؟. فتلك حكاية مؤلمة يجيبنا عليها أصحاب الصيحات الرافضة لطريق الحرير، والرافضة لطريق التنمية، والرافضة لمشروع كرمنشاه – بغداد – العقبة، والرافضة لكل انواع الربط السككي، .
اللافت للنظر ان معظمهم من خارج الاختصاص، ولا يفقهون شيئا في هذا المضمار، لكنهم تسببوا بحرمان العراق، وتسببوا في فرض الحصار علينا من دون ان تحاسبهم الدولة. .
واستكمالا لما تقدم فان الطريق الهندي – الشرق أوسطي (IMEC) يعد من أهم محاور الشراكة في المبادرة الأمريكية (PGII) المصممة لمواجهة مبادرة الحزام والطريق الصينية (BRI). لكن السعودية والامارات لها رأي آخر، فهي لا ترى الممر الشرق اوسطي (IMEC) مناهضا لمبادرة الصين (BRI). بل تراه خطوة من شأنها أن تسهم في تفعيل مبادرات النقل العابر في كل الاتجاهات. وترى فيه وسيلة لتعزيز مفهوم التعددية القطبية. .
تجدر الاشارة ان قرار انضمام الامارات والسعودية إلى الممر (IMEC) يأتي في أعقاب التحرك الأخير الذي اتخذته الرياض وابو ظبي لدعم مجموعة بريكس، وهو إجراء آخر لبناء نظام متعدد الأقطاب. وهذا يفسر سعي دول الخليج لتطوير سياساتها الخارجية والمتعددة الاتجاهات وتفعيلها في مشروع IMEC. .
لابد من التذكير ان احتضان مشروع IMEC لا يعني أن الهند ودول الخليج تعطيه الأولوية، وتفضله على غيره من المشاريع. لأنها مازالت تحث الخطى نحو الارتباط بروسيا من خلال ممر النقل الدولي المسمى (INSTC)، بينما تسعى في الوقت نفسه نحو توثيق العلاقات التجارية والاقتصادية مع الصين. . فقد ارتفعت مؤشرات العلاقات التجارية بين روسيا والهند، وروسيا ودول الخليج بشكل كبير منذ أوائل عام 2022. حيث وصل أول قطار شحن مباشرة من روسيا إلى جدة في السعودية عبر الممر الشمالي الجنوبي (INSTC). .
بهذه المرونة وبهذه العقلية تفكر البلدان. وليس بالرفض والعناد والاتهامات الملفقة واعلان المقاطعة. .