بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..
قبل ان نغوص في أعماق الملامح الدونية للمخلوقات البشرية من الذين نطلق عليهم اصطلاح (صليلگع). قبل هذا وذاك لابد من التطرق لأصل الكلمة. .
فالصليلگع طائر صغير يعيش في الاهوار والمستنقعات والسواقي. يتغذى على الاسماك. يمتاز بحدة بصره. يطير على ارتفاع منخفض ليتابع تحركات الاسماك من مكان ثابت في الهواء، ثم يسقط فجأة ليقتنصها من تحت الماء، ويعود للطيران مجدداً بنفس الارتفاع. .
لكن أهلنا في الأهوار دأبوا على إطلاق اسم (صليلگع) على فئة منبوذة من الذين جمعوا بين اللواگة والصعلكة بمفاهيمها الجنوبية الشائعة. .
فالصليلكع هو من أكثر المستفيدين من علاقاته الانتهازية مع أصحاب النفوذ والدرجات الخاصة، وأول الشامتين بهم بعد مغادرتهم مواقعهم الإدارية العليا. يتواجد على وجه الاعتياد في الولائم والاحتفالات، وحيثما تتطلب مصالحه النفعية. وأحيانا يكون ملتصقا بحذاء مديره الاعلى. لكنه يتحول فجأة ضده، ويقف في طليعة المعادين له في اليوم الأول من رحيله. .
في حياتنا أكثر من صليلگع. أذكر ان احدهم كان من هواة التقاط الصور مع كبار المسؤولين، وكان يزين واجهات هواتفه وصفحات حساباته بصورهم. ثم يستبدلها بصورة المسؤول الجديد بعد انتهاء صلاحيات المسؤول السابق. .
لكل منا تجربته الخاصة مع هؤلاء الذين يتلذذون حين يشمتون ويتهكمون. وحين يظهرون السخرية والهمز والغمز واللمز قولاً وفعلاً. لكن المؤلم بالأمر حين تأتيك الشماتة ممن تظنه قريبا إلى قلبك. وممن امضى حياته معك وتحت حمايتك ورعايتك واهتمامك. .
لقد أضحت هذه النماذج من الظواهر التي استفحلت لديها الأنانية، وتجذرت عندها الشماتة والكراهية، والارتياح لسقوط الآخر والتلذّذ بمحنته، وتحيّن الفرص للانتقام منه والتشفي به. .
يقتصر دور صليلگع في الغالب على رصد السلبيات، وإحصاء الهفوات، ومتابعة العثرات، وإطلاق التحذيرات. ثم يختزنها كلها في ذاكرته، ويحتفظ بها إلى اليوم الذي ربما تتغير فيه الأمور نحو الأسوأ. حينئذ يقف ساخراً ليتحدث بلهجة المتفرج الحاذق. فيكرر بعض العبارات التي ادخرها لهذا اليوم. من مثل: انا أول من حذرك. أو: أنت لم تسمع النصح. أو: كنت أتوقع سقوطك. أو: أنت لم تكن جديراً بهذه المهمة. .
كانت هذه صورة مختصرة لهذا المخلوق الانتهازي الشامت. الذي يتكرر ظهوره في كل زمان ومكان.