بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..
جرت السياقات السياسية الموروثة في البلدان النامية، ومنها البلدان العربية طبعاً، على تحميل الشعب أعباء الإصلاحات المزعومة، فالشعب هو الذي يدفع ثمنها بالعاجل أو الآجل، وهو الذي يتحمل نفقاتها. بينما يقتصر دور الحكومات على الإعلان عن نواياها (الاصلاحية) ومزاعمها البرّاقة في الارتقاء بمستوى البلدان نحو الافضل، وما إلى ذلك من شعارات ووعود وخطط وهمية. ثم يأتي دور الأبواق المأجور، ومن خلفها جوقة المؤيدين والداعمين لخطوات الإصلاح في حين تقع المسؤوليات الجسيمة على الشعب في تسديد فواتير الاصلاح. .
مثال على ذلك نذكر ان الحكومة العراقية اتفقت مع رؤساء الكيانات السياسية على تمرير قانون التقاعد القسري رقم 26 لسنة 2019 بدعوى إصلاح الشأن الإداري وإفساح المجالات الوظيفية لتشغيل الشباب العاطلين عن العمل، فتمت احالة ثلاثة مواليد دفعة واحدة إلى التقاعد، من دون ان تلتزم الحكومة بوعودها في تفعيل الوظائف الشاغرة. فخسر المتقاعدون وظائفهم من جهة، وتبددت أحلام اللاهثين وراء سراب الإصلاح من جهة أخرى. .
أحيانا تسري حمى الاصلاح بين شرائح الناس، فتترك تداعياتها على الموظف البسيط، فيفقد مخصصاته، وتضيع حوافزه المهنية، وتتبخر ارباحه السنوية، ويخضع لضغوطات ومنغصات لا حصر لها مقابل تحقيق مشاريع الإصلاح المزعومة. واحيانا ترتفع مبالغ الرسوم الضريبية والجمركية، وترتفع معها أسعار السلع الاستهلاكية، وأجور الخدمات وأجور التعليم في رياض الاطفال، وفي المدارس والكليات الاهلية، وأجور المستشفيات والرعاية الطبية. .
وقد يُتهم الشعب في الافراط بالإنجاب، فيكون هو المسؤول الأول عن إرتفاع مؤشرات التعداد السكاني، وتنسحب هذه الاتهامات على إنخفاض الحصص التموينية، وشحة الغذاء والدواء، وارتفاع معدلات البطالة، وما إلى ذلك من اتهامات وردت مراراً وتكراراً على ألسنة رؤساء الحكومات كلما عصفت بهم الأزمات الخانقة. فالحكومات هي التي تقلب المفاهيم وتعكسها على المواطن، فتسوّق الشعب إلى الاعتقاد أنه متآمر على نفسه. وانه غير جدير بالإصلاح. وهذا ما تراه القيادات الثورية في بعض البلدان. من دون ان تدرك ان ثمن الاصلاح الحقيقي أقل بكثير من ثمن الثورات والانقلابات والمواجهات المسلحة. .
اما إذا واصلت السلطات الحاكمة اخفاقاتها المتعاقبة فان الشعب هو الطرف العاجز الذي تطالبه الحكومات بتحمل عواقب الفشل وتراكمات الديون الخارجية. .