بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..
كان المعلمون في مدارسنا الابتدائية يطالبون صغار التلاميذ بالهدوء والتوقف عن الكلام، فيأمرونهم بالسكوت بعبارة حاسمة حازمة: (خيطوا حلوقكم). والحلق: هو الفم والبلعوم واللسان. .
اللافت للنظر ان سياسة تكميم الأفواه وتخييط الحلوق عادت إلى الظهور من جديد في معظم مؤسساتنا الحكومية لإسكات أصوات المعترضين والمعارضين والمنتقدين. تارة بصيغة التهديد المباشر باتصال هاتفي يأتيك من رئيس الفريق الاعلامي التابع للمسؤول الحكومي. وتارة يستدعيك المسؤول نفسه للمثول بين يديه، لكي تأخذ حصتك من التقريع والترويع. وأحيانا تجد نفسك منفياً خارج واقعك الجغرافي وخارج اختصاصك المهني، وربما يتعرض منزلك للمداهمة بعد منتصف الليل بقوة مسلحة، وعناصر مقنعة، وبيدهم مذكرة قبض صادرة من جهة رسمية بناءً على شكوى تقدم بها ضدك مديرك الأعلى. .
في ظل هذه الاجواء البوليسية المؤمنة بسياسة التكميم والتعتيم والخنق والاسكات التعسفي. تطوع بعض الخبراء والمهنيين الشجعان للظهور على شاشات الفضائيات في حوارات مباشرة تحوم حول الملابسات المصيرية والخروقات الإدارية، فجاءتهم التهديدات المزلزلة من القوى الفوقية بوجوب الالتزام بعدم الظهور الاعلامي في الفضائيات، ثم خيروهم بين السكوت والاستقالة. وبين السبات والبطالة. .
فالموظفون غير مسموح لهم الآن بالتحدث في اللقاءات المتلفزة. وغير مصرح لهم بكتابة المقالات، أو تدوين التعليقات على صفحات منصات التواصل. .
فالموظف الآن خاضع بالكامل لقوة صارمة ترغمه على السكوت الأبدي. وغير مسموح له بالمطالبة بحرية التعبير في ظل شيوع سياسة تخييط الحلوق والأفواه. .
فاحذر الحقود إذا تسلط، والجاهل إذا قضى، واللئيم إذا حكم، والفاشل إذا تكبر، والغبي إذا تجبر، والمتحزب إذا سيطر. فقد يعتلي ظهر الجياد ذبابُ، ويقود أسراب الصقور غرابُ.لكن ما يدمي الفؤاد مرارة. أسدٌ وتنبح فوقهن كلابُ. .