بقلم:د. كمال فتاح حيدر ..
توارثت الشعوب الواعية فنون السيطرة والقيادة، وجمعت خلاصة تجاربها في المرويات والمخطوطات والمسلات والشفاهيات، بينما اختار الحكماء اختزال الطريق بالأحاجي والألغاز، ولعبة الشطرنج التي تعد تدريباً مفيداً للدماغ، وتحارب الخرف وتنعش الذاكرة، وتنمي المهارات الحركية والبصرية. ثم وجدت القوى العظمى المعاصرة ضالتها في تعلم فنون لعبة Wei qi الصينية، يرجع تاريخها لنحو قبل 4500 سنة. تتألف من رقعة مربعة تحتوي على 19 خانة أفقية، و 19 خانة عمودية، وفيها 181 قرصا أسودا، و 180 قرصا أبيضا، وتعد من أفضل ألعاب اللوحات الاستراتيجية. قال عنها هنري كيسنجر: (إذا كانت لعبة الشطرنج تدور رحاها حول معركة خاطفة، فإن لعبة Wei qi تُعنى بخطط ومحاور إستراتيجية طويلة الأمد. وإذا كان لاعب الشطرنج يسعى لتحقيق الفوز المؤقت. فإن لاعب Wei qi يسعى لإحراز الشموخ والهيمنة والتفوق). وهذا يفسر دوافع العقول الاستراتيجية نحو تعلم هذه اللعبة وممارستها باعتبارها من الضروريات الاساسية في تنمية القدرات الذهنية. فالحروب والنزاعات الدولية ما هي إلا حلبات مفتوحة للتفاعل الإدراكي المعقد قبل أن تصبح ساحات للهجمات القتالية المباشرة. وبالتالي فان سلوك القيادات العبقرية ينبغي ان يكون موجهاً نحو أدراك النتائج والتداعيات قبل الخوض بمغامرات متهورة، لذلك فان إستراتيجية الحروب الذكية تُصمم في المقام الأول من أجل ربح معركة العقل والإدراك. .
الهدف من لعبة wei qi ليس لقتل الخصم والانتقام منه، فليس في هذه اللعبة موت. لكنها تقوم على استغلال الفراغات في بناء المستوطنات، ومنع الخصم من الوصول إليها، ويحسم الفوز في نهاية اللعبة لمن يحرز اعلى النقاط، وليس ذلك الانتصار الكاسح الذي نألفه في لعبة الشطرنج. وهذا يعني ان لعبة wei qi تتيح لك التحكم بالفراغ، ومن يتابع التحركات الصينية هذه الأيام، يلاحظ أن الصين تذهب إلى أماكن لم تكن من أولويات أميركا، وكثيرون يدركون الآن أن تمددها وانتشارها في العالم إنّما كان بموجب قوانين لعبة wei qi. كما ان استراتجيتها التجارية في تنفيذ محاور مبادرة الحزام والطريق قائمة الآن على قواعد هذه اللعبة. .
المحزن المبكي ان اهتمامات قادتنا في العراق أصبحت منصبة على تأجيج حروب الفوضى، وتفعيل حملات التسقيط ضد بعضهم البعض. والأغرب من ذلك كله هو استقبال أحدهم لاعضاء فريق لعبة (المحيبس) في بغداد. وهي لعبة رمضانية قائمة على البحث عن (المحبس) أو الخاتم المفقود، والتي لا علاقة لها بالذكاء ولا بالدهاء، بل تكاد تكون صورة من صور الغباء بالمقارنة مع ألعاب التفوق الذهني عند الأمم الواعية. . .