بقلم: د. كمال فتاح حيدر ..
هكذا وبكل وقاحة، وبلا خجل. ظهر زعماء أوروبا على حقيقتهم بعد ان سقطت أقنعتهم المزيفة في متوالية مخزية من المواقف المعادية للشعوب والأمم الأخرى، فقد ظهرت بوادر التمييز العنصري في سياساتهم الخارجية، وفي خطاباتهم العلنية بكل وضوح منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، حينما فتحت عواصمهم حاضناتها لاستقبال اللاجئين الأوكران، بينما كانت قواتهم الساحلية تتسلى بإطلاق النيران على قوارب المهاجرين الأفارقة وإغراقهم أحياء في لجة البحر . .
هل سمعتم ما قاله الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية (جوزيب بوريل José Borrell) ؟، حين قال: (البشر ينقسمون في العيش بين عالم الفردوس وعالم الأدغال)، وهو هنا يصف البلدان الاوروبية بالفردوس، بينما يرانا نعيش في أدغال تعج بالوحوش. .
حتى الاعلام العربي، الذي يفترض ان يمثلنا، فقد توازنه الوطني والمهني، وأنساق وراء مضخات اصحاب الدماء الزرقاء، فقد باتت شعارات زعماء أوروبا عن الرحمة والإنسانية، وتشريعاتهم عن حقوق الشعوب في تقرير مصيرها لا تنطبق علينا، وإنما تنطبق على شعوبهم وحدها، وهذا يعني ان العرب والأفارقة والآسيويين (ومعنا الروس) غير مشمولين بالمعايير التي صممتها أوروبا لشعوبها. .
هل رأيتم كيف احتشدوا كلهم ضد المحاصرين في غزة ؟، وكيف انحازوا إلى جانب الكيان العدواني المحتل ؟. وكيف اصطفت منظماتهم كلها ضد أصحاب الأرض الذين يراهم الاوربيون مجرد وحوش آدمية لا علاج لها إلا بأسلحة الإبادة الشاملة بكل ما تمتلكة تحالفاتهم العسكرية من قوة تدميرية مرعبة ؟. .
ارجوكم تابعوا تصريحاتهم، وتابعوا مواقفهم المحرضة بالمطلق ضد العرب، وانظروا إلى مجازرهم في غزة، وضد سكانها الذين وصفهم وزير الدفاع الاسرائيلي (يوآف غالانت) بالحيوانات البشرية، وانظروا كيف حرمهم من الماء والغذاء والدواء والكهرباء والوقود، أكثر من مليون نسمة من المدنيين من كافة الأعمار، لا دخل لهم بما حدث وما سيحدث، فتحولت مساكنهم إلى قبور جماعية، وانصهرت اجسادهم بالحجارة المتناثرة في الفضاء. . فوزير الدفاع (غالانت) يعمل بمنطوق نشيدهم الوطني المؤلف من الأبيات السادية التالية، والتي ربما لم تسمعوا بها من قبل: (طالما تكمن في القلب نفس يهودية – تتوق للأمام نحو الشرق – أملنا لم يصنع بعد حلم ألف عام على أرضنا – أرض صهيون وأورشليم – ليرتعد عدونا – ليرتعد كل سكان مصر وكنعان – ليرتعد سكان بابل – ليخيم على سمائهم الذعر والرعب منا حين نغرس رماحنا في صدورهم – ونرى دماءهم تراق – ورؤوسهم مقطوعة – وعندئذ نكون شعب الله – المختار حيث أراد الله)). .
ختاماً: يعيش سكان غزة الآن في أكبر المعتقلات البشرية الواقعة تحت الحصار البحري والبري والجوي، بينما تواصل طائراتهم صب حممها فوق رؤوسهم. .
فإذا لم تكن فلسطين دولة. فعلى من تشن إسرائيل غاراتها المسعورة ؟. وعلى من تعلن حربها ؟. وهل يجوز لها ان تعلن الحرب على هذا السجن الكبير ؟. .