بقلم : هادي جلو مرعي …
في السياسة مهم جدا أن تصل الى حلول في القضايا العالقة، وأخرى محل خلاف كبير، وعليه تترتب تفاهمات أكبر، ومنافع تعود على الجميع بالفائدة، ويكون أثر ذلك على السياسة والأمن والإقتصاد والعلاقات البينية في مجالات عدة داخلية وخارجية تمهد لفترة إستقرار تكفي للمضي في مشروع بناء الدولة، وتأمين مستقبل الأجيال القادمة التي ستذكر الماضين وفقا لإعتبارات أهمها منجزهم الإنساني، وقراراتهم التي تركت أثرا نتج عنه واقع صنع مستقبلا أكثر إشراقا وحيوية فصار الإرث الحضاري هو المنجز الذي يفخر به كل جيل يأتي، ويستلهم منه معطيات على الأرض لينتج حاضره في العلوم والإقتصاد والرفاهية والتواصل الإنساني، والتلاقح مع شعوب وثقافات أخرى هي نتاج ماض ملهم.
في العام 2003 حدث ماهو غير مألوف في الواقع العراقي على مستويات عدة حيث إنهار النظام السياسي القائم على مدى عقود، وترتب على ذلك تشكيل سياسي مختلف لم يكن متاحا فيه التفرد بالقرار، وشمولية الحكم. وكان طبيعيا أن تتعدد القراءات للحقوق والواجبات الدستورية، وفهم الأحداث، والنظر في المواقف من القضايا الوطنية، وطبيعة العلاقة مع الخارج، وتداخل القومي بالطائفي، مع وجود سلطة إحتلال، ورؤية عربية وإقليمية تلتقي في تصور، وتختلف في تصورات، وكان طبيعيا أيضا أن ينعكس ذلك على الواقع السياسي، ويبدأ تجاذب سياسي، ومواقف تختلف في كينونتها عن تلك التي ألفناها، أو سمعنا عنها لاحقا طبعت سلوك وعلاقات القوى المعارضة للنظام، وهذا في مستوى من المستويات ليس غريبا حيث تطورات الأوضاع وجرى تأسيس نظام سياسي تعددي، وصارت المطالب تتسع وتكبر تبعا للحاجات، وتنامي الثروات، وظهور قوى سياسية جديدة في المشهد العراقي، وكان الخلاف في قضايا عدة بين بغداد وأربيل يثير تساؤلات عن المدى الذي تستغرقه لحسمها كموضوع المناطق المتنازع عليها وقانون النفط والغاز ورواتب موظفي الإقليم والإيرادات النفطية وإدارة المنافذ الحدودية حيث شكلت لجان عدة وجرت حوارات معمقة وكان مدار الحديث يتصاعد عند كل تشكيل حكومي، لكن تلك التفاهمات لم تكن نهائية، وفي الغالب يبدو الإقليم في معرض تقديم تنازلات بعد مفاوضات شاقة لتسهيل تمرير الحكومة، أو التصويت على الموازنة العامة، وكان ذلك يحسب للإقليم مع حديث عن تنصل ليس حكوميا بقدر ماكانت قوى سياسية تحاول تعطيل أي تفاهمات، أو حلول، أو تنفيذ لتلك الإتفاقات.
وإذا مانظرنا في تلك القضايا الخلافية وجدنا أن المنجز فيها على مستوى الحسم النهائي محدود للغاية، لكن مايخفف العبء على العقل والوجدان الجمعي إن هناك إدارة واعية للأزمة تمنع وصولها الى نقطة اللاعودة ويبقى ملحا التأكيد على ضرورة أن لايكون هناك إنفصال بين الحكومة والقوى الداعمة لها خاصة حين يحدث تفاهم، أو إتفاق مع الإقليم الذي يشكو من تنصل تلك القوى عن تعهداتها، وكأنها غير مهتمة بتوريط الحكومة، أو رأس الحكومة الذي يوضع غالبا في موقف لايحسد عليه خاصة وإنه يريد أن يمضي بإدارة الدولة نحو نهايات إيجابية تلبي مطامح الأطراف السياسية والشعب العراقي برمته، ويبقى الوفاء بالإلتزامات والتعهدات ضروريا لكي لانستمر في دوامة الخلاف والتعطيل التي يسعى البعض لإستخدامها كورقة ضغط سياسي يمكن أن ترقى الى مستوى الإستفزاز للحكومة الإتحادية وحكومة الإقليم اللتين كلما توصلتا الى تفاهم حاول البعض الترويج لمشكلة لأنه على مايبدو لايرغب في إنهاء المشاكل، بل يعيش على صناعة الأزمات ليبقى أطول فترة ممكنة ممسكا بتلابيب المصالح والمكاسب على حساب المجموع العام من الناس المضحين على الدوام.