بقلم: فالح حسون الدراجي ..
في البدء أعترف علناً بأني لا أحب (حماس)، وذلك لأسباب عديدة، بعضها آيدولوجي، وبعضها سياسي، وبعضها (هيچ من الله ما احبها) !!
ولا أريد أن أذكّر بشتائم مؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين، بحق أهلي (الشيعة)، ولا ماقاله خليفته في قيادة الحركة عبد العزيز الرنتيسي من كلام مؤلم وجارح بحق أخوته (الروافض) الذين يقاتلون اليوم الى جانبهم كتفاً الى كتف، وبندقية مع بندقية.. كما لا أريد أن أتحدث عن مواقف قادة حماس الحاليين من ما حدث في سوريا ولبنان والعراق، خصوصاً حين تولى (الأخوانچي) محمد مرسي رئاسة مصر ..
نعم أنا لا أحب حماس، لكني مستعد اليوم تمام الاستعداد لحمل البندقية ومقاتلة الصهيونية حد الموت دفاعاً عن أطفال غزة وشعبها المظلوم..
ولأن الظروف عصيبة الآن، وحرجة جداً، تتطلب منا الوقوف صفاً واحداً، ونسيان الماضي بكل خلافاته واختلافاته، لذا سأتجاوز مواقف حركة حماس السياسية السابقة، وأركن فتاوى قادتها الطائفية الظالمة، احتراماً لدماء الشعب الفلسطيني، وتضامناً مع صمود المقاومة الباسلة، فانا أرى أن وحدة الجبهة المعادية للامبريالية والصهيونية، بمختلف عقائد حركاتها واحزابها، وباختلاف رؤاها الفكرية والآيدلوجية، باتت اليوم قضية في غاية الأهمية..
فضلاً عن أن الوقوف بعيداً (عن التل) أمر لايليق بشخص مثلي، أحزنه وأوجعه وأبكاه مرأى أطفال غزة وهم يدفنون تحت الانقاض، او يموتون في مستشفيات مظلمة تخلو من الأدوية، والاوكسجين، والكهرباء..
لذلك سأفتح بكل صدق صفحة جديدة مع حماس ومع كل من يشبهها أيضاً..
صفحة بيضاء تتصدرها الدعوة للتآخي والتعاون والاصطفاف، ومساندة الشعب الفلسطيني، الذي يقاوم اليوم بشرف كل عمليات الإبادة والالغاء .. وقبل كل شيء، وحتى لا يتهمني البعض باتهامات باطلة، فإني أعلن موقفي الرافض لقتل المدنيين في جميع بلدان العالم، ودون استثناء ..!
وعودةً للعمليات في غزة، أقول، إن الصهيونية وآلتها الحربية التدميرية التي يقودها المجرم نتنياهو، لن تقف عند حد أو خط أحمر، إنما هي ماضية في تجاوز كل الخطوط الحمر
دون أن يردعها رادع اخلاقي، أو يمنعها وازع انساني، وإلا فماذا نسمي منع وقطع الماء والدواء والغذاء، والكهرباء عن جميع الأطفال والمرضى الفلسطينيين في غزة، وماذا نقول عن (دولة) لا تفرق في غاراتها وقنابلها وصواريخها بين مستشفى ومعسكر، ولا بين مقر حزبي وجامع وكنيسة، أو بين طفل ومقاتل حمساوي ..؟!
إن روح الفرد الصهيوني المدججة بالكراهية لأي كائن فلسطيني، وشهوة القتل والانتقام الأعمى، التي سيطرت على نفوس الصهاينة، والسعي لإبادة الشعب الفلسطيني بكل مكوناته، والغاء وجوده من الخارطة الإنسانية، سواء أكان مقيماً في غزة أو في الضفة الغربية، أو لبنان، أو في المريخ حتى.. إن هذه الشهوة الانتقامية التي أعمت بصيرة هذا الجيش، وعطلت حواسه الآدمية – أشك أن لديه أي آدمية- جعلته (يقفل) على هدفه الفاشي، رافضاً التوقف عن عمليات الابادة، او حتى الموافقة على ايقاف مؤقت للقتال، من أجل إدخال المعونات والتجهيزات الطبية، والانسانية، بل أن نتنياهو رفض حتى الهدنة لساعات معدودة من أجل تسليم عدد من الرهائن الاجانب للصليب الأحمر.
وإزاء هذه الروح العدائية الشريرة، وهذا الإصرار على تدمير غزة، وإبادة أهلها، لم يعد قطعاً امام الشعوب العربية، وأمام المجتمع الدولي بكل تفاصيله الانسانية، سوى مواجهة (الثور الجريح)، بما يردعه ويوقفه عند حده.. ولا أذيع سراً لو قلت ان اسرائيل كسبت جراء عمليات حماس يوم 7 تشرين (اكتوبر)، تعاطفاً دولياً واسعاً غير مسبوق، لكن الكيان الصهيوني وجيشه المجرم أضاعوا بعدوانهم على غزة هذا التعاطف بسرعة قياسية، فتحول التعاطف من جهة اسرائيل الى جهة غزة خلال يومين لا أكثر، بدليل التنديدات والاستنكارات الدولية الكبيرة، وخروج الملايين من المحتجين، الغاضبين في مختلف بلدان العالم، وهم ينددون ويستنكرون الاعتداءات الصهيونية بحق المدنيين في غزة.. حتى وصل الأمر الى أن يتظاهر (اليهود) أنفسهم ضد عمليات القصف على المدنيين الفلسطينيين، بل وأن يحتل مئات اليهود الامريكيين مقر الكونغرس الأمريكي، منددين بجرائم الجيش الاسرائيلي، وهو أمر غير مسبوق بالمرة.. فكانت صفعة لنتنياهو، وأركان حكومته، ورسالة قوية للرئيس بايدن ..
ولعل موقف الآلاف من اليهود في اسرائيل ذاتها كان الأكثر وضوحاً وهم يطالبون بايقاف الحرب ورفض العدوان على المدنيين الفلسطينيين.. لاسيما القوى اليسارية اليهودية التي تصدرت المشهد الرافض للإبادة.. كما أن أصوات الأحزاب اليسارية والمنظمات الديمقراطية في العالم، كانت الأشد تأثيراً بين الأصوات المؤيدة للفلسطينيين، والمنددة باسرائيل .. وفي العراق، فقد ضج الشارع الشعبي بالاحتجاجات القوية الرافضة، بحيث باتت اصوات المحتجين تسمع في كل المدن العراقية، وأولها صوت الحكومة العراقية، خصوصاً رئيسها السوداني، الذي القى كلمة مهمة ومؤثرة في قمة القاهرة للسلام، حتى أصبحت كلمته- لتميزها وشجاعتها- حديث العرب جميعاً.. كما أن الصوت العراقي المؤيد للشعب الفلسطيني بات مسموعاً في كل بيت ومقر وجامع وكنيسة وسوق، ومنتدى، ومدرسة وملعب، وحوزة، بدءاً من المرجعيات الدينية، الى المرجعيات السياسية، والاجتماعية والرياضية، بحيث اتفق العراقيون على مساندة ودعم المقاومة في غزة.. وللامانة فقد كان للحزب الشيوعي العراقي، وقوى التيار الديمقراطي، وفصائل المقاومة في العراق، موقف مشرف من هذا العدوان.. فقد أصدر الحزب الشيوعي العراقي بياناً (قوياً) مؤيداً لشعب غزة، وأصدر نشرة داخلية (خاصة) أيضاً، صادرة عن اجتماع المكتب السياسي للحزب في 13-10-2023 تخص (تطورات العدوان الإسرائيلي)، وفي هذه (المتابعة ) وجدت كلاماً وموقفاً شجاعاً واضحاً لم أسمعه من حزب سياسي آخر، ناهيك من تصريحات ومقالات ومقابلات عديدة أدلى بها قياديو الحزب، مثل الشخصية الشيوعية المعروفة جاسم الحلفي، وغيره، ليتوٌج كل ذلك بتصريح مهم لسكرتير الحزب رائد فهمي، نشره المركز الاعلامي للحزب الشيوعي، وصف فيه العدوان الاسرائيلي (بالمشين)، طالباً من (شعوب البلدان العربية اخذ المبادرة والضغط لطرد سفراء الاحتلال الصهيوني من عدد من العواصم العربية ووقف عمليات التطبيع المشينة، وان تضغط على حكوماتها للتحرك على مختلف المستويات لوقف حرب الانتقام والمجازر وحرب الإبادة الصهيونية).. وما مطالبة رائد فهمي : (بإقامة دولة فلسطين الوطنية المستقلة ذات السيادة، وعاصمتها القدس)، إلا الكلام الذي تمنيت أن ياتي يوماً على لسان أحد السياسيين العرب.. فجاء أخيراً على لسان قائد شيوعي بارز.. إن روعة هذه المطالبة تكمن في دولة مستقلة تكون عاصمتها (مدينة القدس)، وليس (القدس الشرقية) حيث يطالب للأسف بعض القادة العرب، ولا على (اجزاء من القدس) كما طالب ترامب اكثر من مرة ..!
إن هذا الكيان لن يندحر ولا يهزم إلا بالمقاومة الشعبية، تلك المقاومة التي بدأت ملامحها تتضح في العراق وبقية البلدان العربية، إذ حين يردد المواطن العراقي اليوم أغنية (أصبح عندي الان بندقية .. الى فلسطين خذوني معكم)، وهي أغنية كانت أم كلثوم قد أطلقتها قبل 55 عاماً، ونساها العرب منذ أن بيعت قضية فلسطين، فعلى اسرائيل أن تفهم الرسالة جيداً، وتدرك ان المعركة لم تعد معركة جيوش تهزم، وتسلم للعدو، سيناء والجولان والضفة بست ساعات، إنما باتت معركة المواطن العربي، خصوصاً وأن لديه اليوم (بندقية) ..!
وفي الختام، أنقل لكم تعبيراً لطيفاً أعجبني جداً، أطلقه أمس النائب اللبناني ناصر قنديل، وقد وجدت فيه مغزىً عظيماً، وهو يأتي تعقيباً على ما يجري اليوم في غزة، حيث يقول: (هناك 57 دولة إسلامية، منها 25 دولة عربية .. ويقولون: أين حزب الله ..)؟!