بقلم: أ.د رحيم حلو علي ..
ان معظم الناس تعودوا منذ الصغر على أن يتصرفوا أو يتكلموا أو يعتقدوا بطريقة معينة وتكبر معهم حتى يصبحوا سجناء ما يسمى بالعقل الباطن الذي يحد من حصولهم على أشياء كثيرة في هذه الحياة، وصحيح أن العقل الباطن هو الذي يقود أحاديثنا، وآراءنا، وافتراضاتنا، وقناعاتنا؟ لكن العقل الواعي هو الذي يصوغ حياتنا ومشاعرنا ونفسيتنا تبعاً لتلك الرؤى والافتراضات والقناعات يعني أن العقل الباطن هو العالم الداخلي للانسان ولا يميز بين الخطأ والصواب، وإنما يعتبر كل ما لديه حقاً وصواباً ولا شيء غير ذلك.
فالادراك هو العملية التي بواسطتها يتمكن الانسان من إدراك ما هية الأشياء أو إدراك مكوناتها أو الحكم على الأشياء،ويحدث من خلال المؤثر الخارجي (الواقع) فتلتقط الحواس بعض هذا المؤثر وتقوم الحواس بإرسال معلومات تصل الى الفلاتر(المرشحات) فتنتقي أقوى سبع معلومات منها وتدخلها الوعي (هذه الفلاتر هي جزء خارجي للعقل الواعي) ويقوم العقل الواعي بارسال الاستجابة للاعضاء المسؤولة على المرشحات نفسها ثم تظهر بوصفها ردود أفعال وتفاعلاً مع المؤثر الخارجي والمعلومات الأخرى التي لم تدخل للعقل الواعي وتنقل للعقل الباطن مباشرة وتبقى حتى ينقب عنها العقل الواعي..وهناك فرق بين المرشحات وبين عملية التمثيل الداخلي .فالمرشحات مكونة من اللغة والحواس والمعتقدات والقيم والمعايير والمبادئ والخبرات.فالانسان ببساطة لا يعي ملايين المعلومات التي تتنافى مع معتقدات الشخص وخبراته وقد يعي منها ما كان قوياً جداً.. اما التمثيل الداخلي فهو عملية حكم العقل الواعي على المعلومات التي وعاها وادركها ..
ولكون الانسان من البشر،فهو يتصل بعالمه عن طريق الحواس الخمس وتشكل هذه الحواس النظام التمثيلي الذي يتولى مهام التحويل الى رموز والتنظيم والاختزان وربط الانسان بمصاف الادراك ..وعلى الرغم من اشتراك الحواس الخمس كلها في عملية الادراك في حياة الانسان فان الغالبية العظمى لمدركاته ولذكرياته تأتي عن طريق ثلاث حواس رئيسية هي (البصر،السمع،الاحساس) وتدعى أحياناً هذه الأنماط الثلاثة بالانكليزية(VAK)وعندما ينظر شخص الى شخص أخر يجلس أمامه فأن صورته تحمل الى الدماغ عن طريق العين بواسطة الضوء الذي ينعكس عن جسم الشخص وفي هذه الحالة تقول أن الرؤية هي رؤية خارجية لان مصدرها خارجي، ولكن حين يغادر الشخص مكانه فبالامكان (تصوره) في الذهن من خلال إعادة التصور وبالامكان رؤية وجهه وعينه ولون ملابسه وكانه موجود ،وفي هذه الحالة تكون الرؤية داخلية لان مصدرها داخلي من المعلومات التي خزنها في الذاكرة حيث تنتهي الرؤية الخارجية بغياب المرئي عن العين، فطبيعة الانسان يكون فطرياً(لا شعورياً) متكامل في إدراكه،لكن ظروف الحياة وطريقة التربية والتنشئة الاجتماعية ومناهجنا الدراسية شجعت على أن يطغي نمط معين من الادراك دون الكل،في حين يحدث التكامل في بعض الحالات للانماط الثلاثة وفق تحديد هدف معين ووضع جميع الخطوات والحلول لتحقيقه،لذا يجب ان لا ينحصر إدراكنا للأمور من خلال وجهة نظرنا نحن بل نتعدى هذه الحدود لتشمل مدى أوسع يجعلنا نرى الأمور بمنظور خارجي موضوعي غير متحيز لطرف بذلك سنصل الى قرار صحيح لأننا أخذنا الموقف من كافة زواياه.