بقلم: كمال فتاح حيدر ..
تضامناً مع غزة عقد الحوثيون عزمهم على غلق بوابتهم الملاحية، وهم الذين يحكمون سيطرتهم الآن على تحركات السفن التجارية العابرة لمضيق (باب المندب). فقد تركت الهجمات الأخيرة تداعياتها المؤثرة على خطوط الشحن البحري، وأربكت حسابات الكبار، الأمر الذي اضطرّ شركة النقل الألمانية هاباغ لويد (Hapag-Lloyd) إلى تغيير وجهاتها بعد تعرض احدى سفنها لهجوم صاروخي مباشر. وقد أعلنت شركة OOCL الصينية إنها سوف توقف شحن البضائع من وإلى إسرائيل حتى إشعار آخر. جاء إعلانها عقب إيقاف سفنها الذاهبة إلى الموانئ الإسرائيلية عبر البحر الأحمر، واتخاذ قرار الالتفاف حول رأس الرجاء الصالح كطريق بديل حتى إنهاء التوتر في البحر الأحمر. بينما أبدت شركة ميرسك (Maersk) قلقها ازاء ما يحدث هناك، وهي إحدى الشركات الكبرى في العالم، جاء ذلك على لسان مديرها التنفيذي الذي قال: (إن الهجمات الأخيرة على السفن التجارية في المنطقة تثير للقلق، وتشكل تهديداً كبيراً لسلامة وأمن العاملين في القطاع البحري). .
تجدر الإشارة ان مضيق باب المندب، المعروف أيضاً باسم (بوابة الدموع) يُعد من الممرات الملاحية الضيقة. ويفصل بين البحر الأحمر وخليج عدن. يبلغ عرضه 20 ميلاً (32 كم) بين الساحل اليمني والساحل الأفريقي. ولابد للسفن المتوجهة إلى مواني خليج العقبة، أو التي تروم عبور قناة السويس، لابد لها من عبوره. اما إذا حُرمت تماماً من العبور فسوف تجد نفسها مضطرة لسلوك المسارات الطويلة والمرهقة والمكلفة. .
وبالتالي فان عزوف الشركات البحرية الكبرى عن دخول البحر الأحمر سوف يؤثر سلباً على سلاسل التوريد، ويتسبب في تعطيل وصول الشحنات في مواعيدها المقررة. .
وفي حديث مقتضب لمستشار الأمن القومي الأمريكي (جيك سوليفان)، أبدى فيه تخوفه من الحوثيين، وعبر عن خشيته من تعطل الملاحة في هذا الممر الحيوي، الذي لا يمكن الاستغناء عنه في تأمين النقل الدولي العابر. وقد أسقطت السفن الحربية الأمريكية ثلاث طائرات بدون طيار أنطلقت من الأراضي اليمنية بعد تعرض ثلاث سفن تجارية لهجوم مباشر. في حين نشر الحوثيون لقطات فيديو تظهر رجالاً مسلحين ينزلون من طائرة هليكوبتر، ويستولون بالقوة على سفينة شحن. .
يمثل مضيق باب المندب أهمية قصوى للتجارة الدولية بشكل عام، وللشحن البحري للبلدان المطلة على البحر بشكل خاص. ويكتسب أهمية كبيرة بالنسبة للمجتمع الدولي. .
لا توجد معاهدة دولية عامة بشأن هذا الممر المائي، وبالتالي فهو يخضع للنظام العام للمضائق الدولية، أي حق (المرور البريء) لجميع السفن التجارية والحربية في زمن السلم. وقد اعترف مجلس الأمن بقراره رقم 242 المذكور أعلاه بتاريخ 22 نوفمبر 1967 بخصوص ضمان حرية الملاحة عبر الممرات المائية الدولية بشكل عام. ولم يتم تحديد الممرات المائية التي يتصورها القرار، لكن باب المندب تم تضمينه بالتأكيد. وبالتالي فإن حرية المرور عبر هذه البوابة إلى المحيط الهندي من جميع الجنسيات أمر لا غنى عنه. ليس فقط من أجل السلام، ولكن أيضاً من أجل التقدم الاقتصادي والاجتماعي لجميع شعوب المنطقة. .
اما وقد اعلن الحوثيون الحرب على السفن الاسرائيلية، والسفن غير الاسرائيلية المملوكة لإسرائيليين، والسفن غير الاسرائيلية المتوجهة إلى موانئ اسرائيلية أو القادمة منها، تضامنا مع غزة، فهذا يعني ان الأمور خرجت عن السيطرة، وان الحل الأمثل والأسهل يكمن في إعلان وقف إطلاق النار بشكل دائم ونهائي، والسماح بدخول المساعدات إلى السكان المنكوبين. ومنع اسرائيل من ارتكاب المزيد من المجازر ضد المدنيين. .