بقلم: كمال فتاح حيدر ..
لا فرق بين الاستعمار والاستحمار، فكلاهما وجهان لمستنقع واحد. لكن القوى الإستعمارية المعاصرة وقع اختيارها على طريقة مستوحاة من أفكار ميكافيلي تقضي بالاستغناء عن الجيوش وثكناتها، والتخلي عن القواعد ومستلزماتها، وترشيح عميل لهم. واحد فقط. يمهدون له الطريق لتسلق سلم السلطة. حتى يرتقي إلى اعلى المراتب، ويحمل كل النياشين والميداليات، ويفوز بالانتخابات بنسبة 99%، ويصبح هو الرئيس الملهم الأوحد، والقائد العبقري الفذ، والبطل القومي المسدد. وبالروح بالدم نفديك يا رئيس. .
استحلفكم بالله. من كان فيكم يصدق ان صعلوكاً مشرداً كان يعمل في أمن الملاهي الليلية لمدينة لوس انجلوس يصبح رئيسا لوزراء دولة عربية تتكاثر فيها الأحزاب الوطنية بالانشطار. ويبتهل شعبها في الليل والنهار بدعاء يقولون فيه: (اللهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة. تعز بها الإسلام وأهله. وتجعلنا فيها من الدعاة إلى طاعتك والقادة إلى سبيلك) ؟. ومن كان فيكم يصدق ان الصبي الأشقراني أبو عيون جريئة، الذي لعب دور الكومبارس في حلقة من حلقات مسلسل (حرب النجوم) يصبح ملكا معظماً، ويحمل على صدره من النياشين التي لم يحملها مونتغمري في معاركه ضد ثعلب الصحراء، وكان يحلم بها ابو عبيدة عامر بن الجراح ؟. .
فالوجه الاستعماري الجديد اكثر ذكاءً من وجوهه القديمة المستهلكة. فقد جاء الاستعمار هذه المرة مكثفا بوجه عميل واحد، ومُختزلا بشخص واحد. لكنه مضمون الولاء. شديد الدهاء. يمكن التحكم من خلاله باقتصاد البلد وثرواته، ويمكن توجيهه من بعيد لضمان مواقفه السياسية الموالية لاسياده. انظروا كيف بسطت فرنسا نفوذها في البلدان الأفريقية الغنية بالثروات الطبيعية، ذلك لأنها كانت وراء تلميع صورة رؤوساء تلك البلدان على الرغم من فسادهم وعمالتهم، لكن ولاءهم كان مضمونا لها. .
وانظروا الآن للحصار الظالم الذي يفرضه عبفتاح السيسي على غزة من جهة الغرب. والذي يفرضه عليهم ملك البندورة من جهة الشرق. وانظروا كيف يكرس الإعلام المصري برامجه لشيطنة المقاومة والإساءة اليها، وكيف يجتهد وعاظ السلاطين في التحريض عليهم. .
المؤسف له ان حكومة العسكر في مصر تبوأت دوراً سلبياً، وتكاد تكون طرفا في الضغط على غزة. والدليل على ذلك غلقها المتعمد لمعبر رفح، وتنازلها عن محور فيلادلفيا، وتغذيتها للحرب الإعلامية الموجهة ضد فصائل المقاومة. .
فالإعلام المصري لا يتكلم إلا بإذن من السلطة وبتوجيه منها. ولا يتحدث إلا بورقة يكتبها عباس كامل بخط يده، ومختومة بتوقيعه. .
قبل قليل قام المهرج المزدوج (عمرو أديب) بنشر تغريدة على حسابه، وكانت تشتمل على مباركة ضمنية للغارة العدوانية على جنوب لبنان، وراح ضحيتها الشيخ الشهيد صالح العاروري ورفاقه. قال فيها: (يا ترى ممكن يعملوا نفس الشيء في الدوحة ؟). ثم حذفها مرغماً بعدما انهالت القنادر والشباشب على رأسه. .
سألوا غاندي: متى يفقد الإنسان شرفه ؟، فقال: عندما يأكل من خيرات بلده، وينتمي إلى بلد آخر. . فشكرا لغزة التي فضحت هؤلاء الخونة، وكشفت لنا المستور والمستخبي. .
وما خفي كان أعظم. .