بقلم: كمال فتاح حيدر ..
اغرب ما تتميز به الصحافة الاسرائيلية انها تتكلم بمنتهى الصراحة، وتنشر الذي لها والذي عليها من دون خوف ولا وجل. .
خذ على سبيل المثال ما قالته هيئة البث الاسرائيلية في عنوان عريض نحصره بين قوسين، ونضعه أمام أنظاركم من دون تحريف أو تزييف: (تل أبيب تغض الطرف عن ديون مصر المتعلقة باتفاقية الغاز بسبب دورها في الحرب ضد غزة). .
جاء هذا التكريم الاسرائيلي لمصر في وقت تخوض فيه تل أبيب حرباً ضارية ضد غزة منذ 7 أكتوبر 2023، فقتلت حتى الآن أكثر من 30 ألف شهيداً، وأصابت حوالي 200 ألف جريحاً، وتسببت بنزوح أكثر من 85% (نحو 1.9 مليون شخص) من سكان القطاع، بينما انفرد السيسي بحجب الغذاء والدواء والوقود عن سكان غزة، وذلك باعتراف فريق الدفاع الاسرائيلي امام محكمة العدل الدولية. اما الشاحنات القليلة التي سمح السيسي بدخولها إلى القطاع المحاصر، فكانت شحيحة جداً. لا تغني ولا تسمن من جوع، ولا تفي بالغرض، ودون مستوى الاحتياجات الإنسانية الملحة. .
وقد تناولت الصحف الاسرائيلية هذا الخبر مرة أخرى بصيغة اكثر وضوحا، فنشرته تحت عنوان: (الربح من الحرب). لأنها تعتبر تعاون مصر معها يدخل في خانة الأرباح والمكاسب الأستراتيجية التي يحلمون بها. بيد ان الصحافة المصرية سوف تتناول الخبر بصيغة المهلبية بالعسل، وربما تزعم ان عبارة (تغض الطرف عن الديون) تعني إطفاء الديون والتنازل عنها. وهي هنا واهمة تماماً، لأن إسرائيل لم ولن تتنازل عن ديونها البالغة 30 مليار دولار حتى لو خرج كوكب المشتري عن مداره، وحتى لو انشقت الارض وبزغت الشمس من تحت رمال اهرامات الجيزة. .
فكل القصة وما فيها انها تغاضت مؤقتا في المرحلة الراهنة، ولأجل غير محدد، عن مطالبة الحكومة المصرية كمكافأة لها مقابل تعاونها معها في دعم حملات الابادة الجماعية. ومقابل تفعيل سلاسل التوريد بين موانئ الطرفين لشحن ما تحتاجه تل ابيب من المواد الغذائية، وربما قدمت لها بعض المعلومات الاستخباراتية على غرار برقية التحذير التي بعثها عباس كامل إلى الموساد، وحذرهم فيها من هجمات كتائب القسام في عملية طوفان الأقصى قبل تنفيذها بأسبوع. وسوف يأتي اليوم الذي تجد فيه (مصر) نفسها مطالبة بدفع فاتورة الديون والفوائد المتراكمة عليها. وان غداً لناظره قريب. .