بقلم: كمال فتاح حيدر ..
هل تتذكرون كيف كانت المنظمات الأوروبية تتباكى على غراب مكسور المنقار أو منزوع الريش ؟، وأحياناً يذرفون الدموع على سمكة دولفين جرفها التيار نحو الساحل فعلقت بين الصخور ؟. وربما تتذكرون كيف كان رجال فرق الإنقاذ يلهثون وراء فقمة لتحريرها من شباك أو حبال التفت حول عنقها ؟. وما إلى ذلك من المواقف والمشاهد التي تذهل العقول بإنسانيتها ورحمتها وتعاطفها مع المخلوقات البحرية والبرية. .
لكن مساحة الدهشة والذهول تتسع وتتعمق عند سماعك اخبار التحركات الأوروبية والأمريكية في الشرق الأوسط. .
أنا مثلكم تماماً. كنت اعتقد ان مهمات إنقاذ أرواح الأطفال في غزة من القصف والتدمير والتشريد والتجويع، كنت اعتقد انها سوف تحظى بنفس الاهتمام الذي حظيت به طرق الشحن في مضيق باب المندب. حيث بات واضحاً ان حماية السفن الاسرائيلية أكثر أهمية في سياساتهم من حماية المرضى والجياع الذين حرمتهم إسرائيل نفسها من ابسط مستلزمات الأمن والامان. .
وكنت أظن ان المطالبة بوقف إطلاق النار أهم مليون مرة من تجهيز إسرائيل بالذخيرة والأسلحة الفتاكة. وكنت أعتقد ان السفن التي هرعت من كل حدب وصوب انما هرعت لكي تحافظ على الأمن الملاحي في حوض البحر الأبيض المتوسط لا لكي تفرض الحصار على مرفأ غزة، ولا لكي توجه راجماتها نحو سواحلها. .
وكنت اعتقد ان مضخات الاعلام الغربي ستسعى لنقل الحقيقة بالصوت والصورة لا لكي تتعمد التضليل والتدليس. وما إلى ذلك من المواقف المتناقضة بين ما كانت تتظاهر به أوروبا وأمريكا. وكنت اعتقد ان الرؤساء الذين اشتركوا في المسيرة الجنائزية لتشييع 12 صحفيا في باريس. سوف ينظمون مسيرة عارمة لتشييع جثامين 120 صحفيا قتلتهم إسرائيل في الشجاعية وخانيونس مع سبق الإصرار والترصد. .
في أوروبا يحق لأي مواطن أو وافد ان يضرم النيران بالكتب السماويّة المقدسة وبرعاية الشرطة، ويحق له تصوير الأنبياء والرسل برسوم مثيرة للسخرية بذريعة ضمان حرية التعبير. لكنهم لا يسمحون بتصوير ماكرون أو نتنياهو برسوم ساخرة حتى لو كانت في حدود حرية التعبير السياسي. .
اما اغرب المواقف التي طفحت على السطح منذ مدة فتمثلت بتحول أرض العراق إلى ساحة مفتوحة لتصفية النزاعات بين القوى المتناحرة في الشرق. وكلما قام فريق بقصف خصمه فوق ارضنا ندد به الفريق الاخر، واتهمه بمخالفة القانون الدولي. على الرغم من انهم كلهم لا يقيمون وزناً للأعراف والقوانين والسنن والشرائع، ولا يحترمون القيم الإنسانية. . .