بقلم: كمال فتاح حيدر ..
لا ندري كيف يتسنى لنا الاحتفال بأعيادنا الوطنية بينما مدننا ومطاراتنا ومعسكراتنا يتحكم بها الغزاة الذين عبروا المحيط الأطلسي ليغرسوا مخالبهم حول رقابنا وبين أضلعنا ؟. ولا ندري كيف تتغاضى عنهم الاحزاب المتشدقة بالوطنية، وتسمح لهم بتوجيه غربانهم وخفافيشهم لقتل اخواننا وأبناءنا ؟. ولا نعرف حتى الآن سر هذا الصمت المريب لمجالسنا الشعبية والبرلمانية ؟. فالمسافة بين بغداد والعاصمة واشنطن تقدر بنحو عشرة آلاف كيلومتر بالتمام والكمال، فكيف قفز هؤلاء من هناك إلى هنا ليتقمصوا دور الكابوي المستهتر، ويمارسوا نزواتهم الدموية فوق سطوح منازلنا ؟. .
كتب المتعاطفون معهم تعليقا سخيفاً قالوا فيه: (ان مركز السيطرة على حركة المسيّرات التي أنتهكت اجواء العراق تتحكم بها فتاة أمريكية مراهقة تجلس في مكتبها داخل أروقة البنتاغون). وما إلى ذلك من التعليقات الغبية التي ينبغي ان تأخذ طريقها إلى سلة المهملات. خصوصا بعد ان انتشرت مراكز السيطرة والتحكم داخل المطارات العراقية (بغداد – السليمانية – اربيل) وبعد ان اصبحت الصحراء الأردنية المجاورة لنا ملاذا حصيناً لأكثر من ( 16 ) قاعدة حربية، فالمسيرات التي ارتكبت مسلسل الاغتيالات الجوية انطلقت معظمها من قاعدة (عين الأسد) داخل العراق، أو من قاعدة التنف داخل سوريا، أو من القاعدة ( T22 ) داخل الأردن. .
والأغرب من ذلك كله ان الذاكرة العربية مازالت تحتفظ حتى الآن بالسرديات البالية التي تبرر أسباب سقوط بغداد على يد المغول عام 1258 بأكاذيب مفبركة لتجميل صورة آخر ملوك الدولة العباسية (المستعصم بالله) الذي لم يكن يدري ما يجري وراء أسوار قصره حتى سقوط جاريته (عرفة) بسهم اخترق النافذة العلوية. فقد ساهمت رعونة المستعصم بسقوط دولته، وهي نتيجة متوقعة للبلدان التي يحكمها الحمقى. وهذا هو حال معظم عواصم الامة العربية التي بات يتحكم بها المتخاذلون والمقامرون. .
هل فكرت جامعتنا المومائية ببناء قاعدة بيانات للقواعد الحربية الأجنبية المنتشرة فوق اراضينا من المحيط إلى الخليج ؟. وهل حاول أمينها العام (ابو الغيط) رسم صورة مجسمة لخارطة الانتشار الأمريكي والفرنسي والبريطاني والألماني في الصحاري والبراري والسهول والجبال العربية ؟. .
تذكرت قبل قليل قصيدة شاعر العرب (الجواهري)، التي حملت عنوان: (يا أمتي … يا عصبة الأمم)، فاخترت لكم منها هذه الأبيات لأنها تنطبق تماماً على ما نواجهه اليوم من ضعف وذل وخذلان: يقول الجواهري:
إني لاسألُ قادةً أُذُناً
يتخارسون بحجَّةِ الصَّمَمِ
فيمَ الحياة تُرى إذا عَرِيَتْ
من أخذ ثَأرِ عن دمٍ بِدَمِ ؟
وإذا النفوس هوت إلى الرمم ؟
وإذا الأُنوفُ خَلَتْ من الشَممِ
لمَ الرجالُ وفي الحريم غنى
فيما استُبيح لهم من الحُرُمِ ؟
ما أقبح الأصنامَ ليس لها
دَعَةُ الرضى والصمتِ في الصَّنمِ