بقلم: فالح حسون الدراجي ..
قبل أن أتحدث عن ألمي ومعاناتي الشخصية مع المظالم والافتراءات التي لها اول وليس لها آخر، أعرض مثالاً سياسياً تمثل في الموقف الشجاع الذي ضربته جنوب افريقيا في تصديها لجرائم الصهاينة، مقارنة بصمت الحكومات العربية إزاء جريمة الابادة الجماعية التي تعرض لها الفلسطينيون في غزة، وإذا كانت الأنظمة العربية قد (تقاعست) عن أداء دورها القومي، وتخلت عن مسؤولياتها الأخلاقية وهي تتفرج على المجازر الصهيونية، فإن العالم الحر لم يصمت طبعاً .
وأقول طبعاً بضرس قاطع لأني أعرف أن في العالم ضمائر حرة لا تشترى ولا تباع، وقلوباً لا تخاف أبداً من مواجهة (إسرائيل).. فهناك من لديه الاستعداد الكامل للتصدي للكيان الغاصب، بل ومستعد أيضاً لدفع فاتورة هذا التصدي إن تطلب ذلك.
وهكذا انبرت دولة جنوب أفريقيا بأحرارها الميامين، رغم أنها لاتملك ربما ذلك الوزن الدولي الثقيل، ولا القوة المادية والعسكرية الفخمة لمواجهة إسرائيل وحماتها الأقوياء.. لكنها تصدت بشجاعة، وحملت ملف (الإبادة الجماعية) على عاتقها، ومضت به إلى حيث محكمة العدل الدولية، واضعة إسرائيل ومجازرها تحت المجهر الدولي، محققة انتصاراً أخلاقياً قبل أن يكون نصراً مادياً، وهذا الانتصار لم يتحقق للشعب العربي في غزة فحسب، إنما تحقق للإنسانية كلها، بعد أن أصبح درساً فروسياً بليغاً يدرس في مدارس الشعوب الحرة.
لقد فضحت جنوب دولة أفريقيا مجازر إسرائيل، بل وغيرت النظرة الدولية إلى الأوضاع التي كانت سائدة هناك، لاسيما أثناء زلزال (السابع من اكتوبر) وما رافقته من أحداث دراماتيكية اكتسبت في بادئ الأمر تعاطفاً وتضامناً دولياً، لكن الملف الموثق الذي قدمته جنوب أفريقيا، صدم العالم وأعاده إلى طبيعته التي كان عليها قبل الزلزال !!
ولو نقلنا الموقف الجريء والشجاع لدولة جنوب أفريقيا، إلى مجتمعنا العراقي، لوجدنا الكثير من الكيانات والأشخاص الذين لديهم مثل هذه الشجاعة وهذه (الحقانية) النبيلة، لكن في المقابل سنجد أيضاً الكثير من الأشخاص المتقاعسين، والساكتين عن قول الحق، أو لنقل الساكتين على الباطل ..!
بدليل أن آلاف العراقيين تعرضوا للظلم والافتراء والتسقيط والتشهير، ولم يحظوا بمن يقف معهم، أو ينصر حقوقهم، أو أن يعرض حقيقة مظالمهم، خصوصاً من كان مطلعاً على هذه الحقيقة.
إن قول الحق برأيي لا يرتبط بقربنا أو بعدنا عن الظالم، او ( المظلوم )، بدليل أن حكومة جنوب افريقيا -الأجنبية – نصرت بالحق، شعب غزة العربي، في الوقت الذي خذله أشقاؤه العرب الأقحاح ..!وهنا اسمحوا لي أن أسوق مثالاً شخصياً عما حصل لي، فانا أتعرض ومنذ سنوات لاتهامات، وافتراءات فظيعة، دون أن ينبري أحد من الناس لرد هذه الافتراءات، ويقول كلمة حق لا أكثر .. وطبعاً فانا وكما يعرفني الذين يعرفونني، لست عاجزاً قطعاً عن الرد او التصدي، أو الدفاع عن نفسي، إنما تمنيت أن يأتي الرد وإيضاح الحقيقة من قبل غيري، فالأمر سيكون جميلاً، وأكثر قبولاً لدى الناس حين يأتي من طرف آخر ..
لقد تعرضت إلى افتراءات وتهم، بتأليف أغنيات لم أكتبها، فضلاً عن أكاذيب تتعلق بانتمائي وعقيدتي السياسية، وتهم أخرى مضحكة، بل وبعضها سخيف أيضاً .. والغاية من ذلك إسقاطي سياسياً ووطنياً واجتماعياً.. وقد كان آخر هذه الاتهامات ما نشر في أحد المواقع التقدمية التي اتهمني فيها (أحدهم) بتأليف أغنية (بيت بيت زار الشعب)..! وللحق، فأنا هنا لا أعتب على هذا الموقع المحترم، إذ ليس من عادتي الرد على المواقع قط، كما لا أعتب على كاتب المنشور، إنما أعتب على الناس الذين يعرفون مؤلف هذه الأغنية، التي قدمت من قبل الفرقة البصرية أثناء الحرب العراقية الإيرانية، ويعرفون شقيقه الذي لحن الأغنية، وكلا الرجلين معروفان في البصرة جداً .
وأعتب كذلك على فريق العمل الفني لهذه الأغنية، والذي يتجاوز عدده السبعين منشداً ومنشدة، وعازفاً، وادارياً، وفنياً، وكلهم من أبناء البصرة العزيزة، وحتماً فإن أفراد هذا الفريق الكبير يعرفون أيضاً اسم مؤلف الأغنية، فلماذ لم ينبرِ أحد منهم، ويقول الحق لا غيره ؟!
صدقوني لو قلت لكم، إن غايتي الأساس من هذا المقال تكمن في تشجيع الناس (المترددين) على قول الحق، وفي اشاعة ثقافة التصدي للباطل، وعدم القبول أو السكوت على أشياء هم واثقون من أنها ملفقة ومزورة، لكنها تمرر عليهم يومياً، وأحياناً هم أنفسهم يسهمون في نشرها ربما من غير قصد.. واسمحوا لي أن أذكّركم بالمقولة الذهبية : “الساكت عن الحق شيطان أخرس”.. وأضيف اليها” الساكت على الباطل، شيطان ونص ” !!
ربما يعتقد البعض أن هذا الموضوع ليس مهماً جداً، ولايستحق ربطه بالموقف العظيم لجنوب أفريقيا، وقد يقول قائل: وماذا يعني أن تتهم بتأليف أغنية حتى لو كانت سيئة؟
وأنا أقول له: إن الحق حق يا سيدي، سواء أكان في أغنية أو في مال، أو عقار، أو دماً، وإذا كانت هذه القضية غير مهمة لدى البعض، فإنها مهمة لديّ ولدى أمثالي، وهم كثر .
ولكن المحزن في هذا الموضوع، أن في البصرة العزيزة عشرات الأصدقاء من المثقفين والفنانين الذين يعرفون مؤلف وملحن هذه الاغنية أكثر من غيرهم، خاصة وأن هذه الأغنية مشهورة، وقد كانت تعرض يومياً على شاشة التلفزيون، كما أن أبناء الوسط الثقافي والفني البصري معروفون بعلاقاتهم، وحميميتهم فيما بينهم، فهم أشبه بأسرة واحدة، يعرفون أعمال ومنجزات بعضهم البعض، حتى الذين يختلفون معهم في آرائهم وتوجهاتهم الفكرية أو السياسية.. لذلك تجدني اسأل وأقول معاتباً : لماذا يصمت هؤلاء الاحبة على هذه (الفرية)، لاسيما وأن الكثير منهم يتابعون هذا الموقع التقدمي، بل وينشرون فيه أيضاً، ومن المؤكد أن أغلبهم اطلع على هذا المنشور ؟!
وعتبي طبعاً لن يتوقف عند محطة المثقفين والفنانين البصريين، إنما يصل إلى زملائي الشعراء، خصوصاً أحبتي الشعراء الغنائيين، الذين يعرفون عائدية أغلب الأغاني، أكثر مما يعرفها غيرهم.. فهم صمتوا أيضاً للأسف، ولم أرَ أحداً منهم يتصدى لهذا الإفتراء، ويصححه بقول الحقيقة لا أكثر ..!
لذلك قررت أن أرد على جميع الاتهامات التي تعرضت لها، سواء ما يخص الأغاني السيئة التي تلصق باسمي ظلماً، أو التهم والافتراءات الأخرى، وسأخصص لذلك أكثر من مقال من مقالاتي اللاحقة
مشفوعةً بالشهود والأدلة والتوثيق المادي الدامغ.
وقبل أن أختم مقالي هذا أود أن أذكر حدثاً، ليس للمقارنة، إنما للذكر فقط :
إذ سألني صديقي العزيز الشاعر جبار فرحان، قبل فترة ليست بعيدة، قائلاً :
أتعرف أن أغنية (شوگي خذاني) التي أدتها الفنانة الرائعة سيتا هاگوبيان قبل أكثر من أربعين عاماً، تبث بـ( تايتل) يحمل اسمك كمؤلف لها، فهل أنت مؤلف الأغنية فعلاً ؟!
فأجبته منتفضاً: كلا لست مؤلفها، إنما هي من تأليف الشاعر الكبير مهدي عبود السوداني.. ثم شكرت صديقي على هذا التنبيه، خاصة وأني لم أرَ هذا التسجيل من قبل قط.. وفي اليوم ذاته، كتبت مقالاً افتتاحياً بعنوان “يخطئون..وندفع الثمن” أوضحت فيه الحقيقة وكشفت بأمانة عن اسم مؤلفها الزميل السوداني .. وعلى الرغم من أن الأغنية جميلة جداً، بحيث يتمنى أي شاعر أن تحمل اسمه، ورغم أن التايتل قديم و (أصلي)، والأسماء فيه مدرجة من قبل الجهة المنتجة، وهي تلفزيون جمهورية العراق، ولا علاقة لي بالموضوع قطعاً، إنما هو خطأ فني يتحمل مسؤوليته كادر الإنتاج، لكني رفضت الأمر واستنكرته بشدة.. بحيث تم تصحيح التايتل في اليوم الثاني لنشر مقالتي.. والزبدة هنا، أن البعض يظن بأن الحق لا يتحقق إلا بالسيف.. بينما يعتقد البعض الآخر – وأنا منهم- أن لقول كلمة الحق، تأثيراً يتفوق على السيف أحياناً !