بقلم: كمال فتاح حيدر ..
حتى الفضائيات العربية، (المصرية والسعودية منها على وجه التحديد) لا تريدك ان تعرف شيئا عن ظروف الناس في غزة. اما القنوات والمنصات الغربية فلا شغل لها سوى طمس الحقائق وقلب المفاهيم وتقديم صورة مزيفة لما ترتكبه دولة القطعان من مجازر يومية تشيب لها رؤوس الرضعان. .
اضحت الطريقة الوحيدة التي تسمح لنا الآن بتوثيق الانتهاكات المتكررة هي باستخدام هواتفنا الشخصية لتسجيل الوقائع بالصوت والصورة، وتحميلها وتوزيعها على الفور لكي يراها العالم كله. .
لم تكن للشعب الفلسطيني في العقود الماضية القدرة على تصوير المجازر التي ارتكبت ضده، ولم يكن يعلم بحجم المؤامرات التي حاكها ضده بعض الزعماء العرب، ولم يكن يشكك بمواقف السلطة الفلسطينية التي كانت ترتبط بعلاقات حميمة مع تل ابيب. ولم تكن لديه القدرة على دحض الأكاذيب ومواجهة المضخات الإعلامية الكبيرة. .
اما الآن فقد اشتغلت المضخات الإعلامية الداعمة للقطعان باقصى طاقتها لتبرير حق اليهود المزعوم في الدفاع عن انفسهم، وحقهم في التسلح وارتكاب ما يحلو لهم من المجازر، وليس للعالم الحر الاعتراض عليهم، وكل من يحاول ان يخدش صورة نتنياهو، ولو بكلمة واحدة يطرد من عمله ويفصل من وظيفته. .
فالصحفيون الذين حاولوا نقل الحقيقة من داخل قطاع غزة قتلتهم دولة القطعان بدم بارد، وقتلت أفراد عوائلهم، وكانوا يتلقون تهديدات مباشر تخيرهم بين الكف عن نقل الحقيقة أو الموت الجماعي، حتى بلغ تعداد الشهداء في صفوف الصحفيين وعوائلهم اكثر من 600، من دون ان تعترض المنظمات الدولية. .
بات واضحاً انهم يقتلون الحقيقة، حتى بايدن وعصابته كانوا مذعورين من انتشار صور الابادة الجماعية، وبذلوا قصارى جهدهم لمنع انتشارها. ومنعوا نشر صور الخراب والدمار الذي اكتسح الاحياء السكنية المأهولة. انهم يخشون من انقلاب الشعوب الأمريكية والأوروبية ضدهم، وهذا يفسر إصرارهم على تضليل الرأي العام بأخبار لا صحة لها. وبالتالي فان الصحفيين والمراسلين والعاملين معهم يتعرضون للقتل الممنهج، حتى لا يعلم العالم بمصير سكان غزة تحت القصف والقنص والتجويع والتعطيش والحرمان من الملاذات الآمنة. لذا تراهم يستهدفون الإعلاميين والمفكرين والأطباء وأساتذة الجامعات وكل من لديه القدرة على رصد وتوثيق الكوارث الإنسانية. .
كانوا يقتحمون المستشفيات ويفخخونها ثم يفجرونها بمن فيها من مرضى ومصابين، ويتركون الأطفال الخدج يموتون في حاضناتهم، وقد انتشرت هذه الصور والأفلام في كل القارات عبر الواتساب والتطبيقات الأخرى لكنك لن تراها على شاشات الفضائيات الأمريكية ولا الأوروبية، ولن تراها على شاشات الكثير من القنوات العربية. .
لقد تعاطفت القوى الظلامية كلها مع إسرائيل، وتعاطف معها حاكم الأردن وحاكم مصر، وبات من المسلم به ان الزعيمين العربيين سيشتركان في تنفيذ فصول المسرحية الأخيرة، وذلك بتفريغ غزة من محتوها السكاني، وطرد الفلسطينيين من الضفة ومن القدس، في سيناريو جديد يظهر فيه الزعماء العرب (في الأردن ومصر) بمظهر المقاتلين الاشاوس المدافعين عن الشعب الفلسطيني المظلوم. .
فهل ستنجح الأبواق الإعلامية في تغييب الحقائق وقلب الوقائع امام هذا الكم الهائل من المقاطع المصورة من داخل غزة ؟. .
ختاماً: تذكروا كيف ان سيدنا موسى وكز رجلا فقتله بالخطأ، وفرعون قتل الآلاف عمداً ثم قال لموسى متبجحا : (وفعلت فعلتك التي فعلت). . هذا هو الاستغفال والتضليل بعينه، وهذا هو ديدنهم على مر التاريخ. .