بقلم: كمال فتاح حيدر ..
يا زعماء العالم الإسلامي المفكك والمقسم إلى طوائف وفرق وأحزاب وكيانات متنافرة: ما هي فاتورة الدم التي ينبغي ان يدفعها الأطفال الجياع حتى تتفقوا على كلمة واحدة وترفعوا عنهم الحصار ؟. ألا ترون اننا نمر الآن بمنزلقات تاريخية مرعبة لم نكن نتوقعها، ولم نكن نتصور انكم سوف تفقدون فيها مروءتكم بالصورة التي لم تشهدها الجاهلية الاولى ؟، فبعد أيام قليلات سوف يتسابق رجال الدين في بلدانكم للبحث عن هلال شهر رمضان. وسوف يكرّسون أوقاتهم في بيان منازل القمر، الذي يبعد عنكم حوالي 384,402 كيلومترا. أي في حدود ربع مليون ميل تقريباً. لكنكم لن تلتفتوا أبداً إلى خسوف غزة وكسوفها، وما حل بها من حصار ودمار على مسافة لا تبعد عنكم سوى بضعة أمتار. .
لقد أنتهكت القطعان عرض الأخلاق في مدينة فُرض عليها الصيام بالقوة منذ الثاني والعشرين من ربيع الاول الماضي. بينما كانت عيون سكانها تراقب رحلات سفنكم المصرية المكلفة بنقل الفواكة والخضروات والرز والبقوليات من موانئ الوجه البحري إلى موانئ القطعان المتوحشة، الذين يخوضون الآن حرب التجويع والتعطيش. وكان سكان غزة يتابعون اخبار قوافلكم الأردنية المكلفة بنقل البطاطا والبندورة والبيض والكنافة إلى أسواق تل ابيب. .
سوف يكون رمضان القادم عنوانا لتمردكم على مبادئ الدين الحنيف في الرحمة والتواد والتلاحم والمشاعر الإنسانية، وفي مد يد العون والمساعدة للمسكين واليتيم والمحاصر والمضطهد. .
والأغرب من ذلك كله ان بعض بنوككم اغلقت نوافذها منذ الآن بوجه كل فلسطيني يعيش بره البلد ويرغب في تحويل المبالغ المالية إلى أهله داخل الارض المحتلة. وهذا يعني ان بلدانكم التي تتغنى هذه الأيام بأنشودة (رمضان جانا) باتت على أتم الاستعداد لممارسة طقوس التجويع ضد غزة قبل حلول الشهر، من دون ان نسمع صوتا معترضا بلسان فقهاء التحريض، الذين كانوا ينفخون في أبواقهم ليل نهار لتشجيع الشباب، وإرسالهم لقتل الناس بلا سبب في ليبيا والعراق وسوريا ولبنان والسودان وافغانستان. ثم جاءت ردود وكيل وزارة الأوقاف المصرية السابق (سعد الفقي) منفعلة ومتشددة ضد جياع غزة، عندما رفض تحويل أموال الحج والعمرة إليهم، وطالب بعدم المساس بأموال الزكاة حتى لو كانت مخصصة لإسعافهم، وابدى اعتراضه على انتشالهم من براثن الموت. .
سوف يشهد الشهر القادم استعراض حزمة جديدة من مسلسلات الخلاعة والتعري والتفاهة والوقاحة تبنتها قناة mbc، وتبنتها أيضاً مدينة الانتاج في مصر. اما البرامج الدينية فسوف تتلقى تعليماتها الفقهية المباشرة من اجهزة المخابرات في التحريض ضد جياع غزة. .
كلمة اخيرة: لا شك ان انتقاد بعض رجال الدين لا يعني التهجم على الدين نفسه، فرجال الدين يمثلون أنفسهم فقط. ثم ان مخالفة المشايخ والاعتراض عليهم، لا تعني مخالفة الخالق جل شأنه، لأن الله وحده هو الذي يحاسبنا على عثراتنا، وليس الشيخ او مجلس الشيوخ. .
اللهم ارحم اهلنا في غزة برحمتك الواسعة. وانصرهم واخذل من خذلهم. .