بقلم: كمال فتاح حيدر ..
عثر المحققون على رسالة نصية أرسلها بوشنل إلى صديقه ليلة انتحاره. جاء فيها: (آمل أن تفهم. . أنا أحبك. لكني أشعر أنني سأفتقدك). .
وصرح صديق آخر لصحيفة نيويورك بوست. أن بوشنل تحدث معه عبر الهاتف قبل انتحاره. قال له: (إنه حصل على معلومات أمنية خطيرة لها علاقة بغزة وأنه منزعج مما يجري هناك). وقال ايضاً: (انه أخبرني بوجود قوات أمريكية، تشارك في عمليات القتل والإبادة داخل احياء غزة). وقال للصحيفة: هناك الكثير من الأشياء التي لا أعرفها، ولكن يمكنني أن أقول: أن نبرة صوته كانت تحمل شيئاً يخبرني أنه كان متذمراً ومنزعجاً. .
في حين تزعم الولايات المتحدة ان قواتها الخاصة المتواجدة في إسرائيل مكلفة بمهمة تحديد هوية الرهائن الأمريكيين، بينما أكد بايدن في خطاباته: أنه لن يكون هناك جنود أمريكيون في غزة، لكن بايدن نفسه كان كاذبا ومنحازاً ومشاركاً في الجريمة. .
قبل ساعات من إشعال النار في نفسه، نشر بوشنل على صفحته على فيسبوك: (لن أكون متواطئاً بعد الآن في جرائم الإبادة الجماعية. أنا على وشك المشاركة في عمل احتجاجي شديد). .
وأرسل بريداً إلكترونياً إلى هيئة الإذاعة البريطانية. جاء فيه : (أنوي اليوم المشاركة في عمل احتجاجي ضد جرائم الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني). .
كان بوشنل يشعر ويرى ان إسرائيل ترتكب مجازرها في غزة، وان تلك المجازر لا يمكن تحقيقها إلا بأموال الولايات المتحدة ومشاركتها، و أن هذه الكارثة الأخلاقية تجعل جميع الأميركيين متورطين فيها.
ويرى ان ما يحدث الآن في فلسطين ليس حرباً، بل هو تجرد من الإنسانية، وانتهاك صارخ لكل المحرمات، وتطهير عرقي لشعب مضطهد من اجل الاستيلاء على أرضه، وكان يدرك ان الشعب الفلسطيني يدافع عن نفسه وله الحق الكامل في الوقوف بوجه المحتل الغاصب. لم يجد بوشنل الكلمات ليعبر عن سخطه وألمه لمنظر المجازر المروعة المدعومة من بلاده، وهذا ما دفعه لاختيار طريقته في الاحتجاج والرفض من أجل إيقاف ما يحدث هناك. .
ظل بوشنال يكرر رسالته بصوت عال: (الحرية لفلسطين – الحرية لفلسطين) وهو مشتعل بالكامل. أنهى حياته ليبعث رسالته إلى العالم نيابة عن الرجال والنساء والأطفال الذين يواجهون الموت غصة بعد غصة على يد القوات العدوانية، التي لم تكن تدافع عن نفسها، وانما كانت تقوم بدورها العدواني منذ عام 1948. .
كان الراحل يرفض تحويل ضرائب الشعب الأمريكي لخدمة المجرمين والقتلة الذين سفكوا دماء الآلاف، فقتلوا حتى الآن 14000 طفلاً. اختار بوشنل ان يظهر بهذه الصورة لكي يشعر العالم بتورط أمريكا في جرائم الإبادة، وحتى تتحمل الشعوب الواعية مسؤولياتها في المطالبة بانتشال جثث المدفونين تحت الرماد. .
لم يمت بوشنال من أجل اسرائيل وإنما من اجل الجياع والمستضعفين والمنكوبين. ففضح انحيازات واشنطن بحرق نفسه، و وصف معاناته بالضئيلة مقارنة بمأساة غزة، ثم ودع العالم بعبارة: (لن أكون متواطئاً في الإبادة الجماعية). .