بقلم : فالح حسون الدراجي ..
قبل حوالي تسع سنوات، كتبت مقالاً افتتاحياً في جريدة الحقيقة، انتقدت فيه ( إعلان نشرته حمدية الجاف مديرة المصرف التجاري العراقي آنذاك).. وبعد نشر المقال، غضبت حمدية الجاف التي كانت محمية ومحاطة بشبكة قوية تضم مسؤولين في الحكومة، ونواباً بارزين، وسياسيين كباراً، ورجال مال متنفذين، وإعلاميين.
ولم تغضب عليّ الجاف فقط، إنما ثارت وارعدت وهددت، ووصلني شرار تهديدها، فكانت عقوبتي الأولى جراء ذلك المقال، حملة إعلامية تسقيطية واسعة شملتني بكرمها، بل وصل ( عطاؤها) إلى سابع جار من جيراننا ..!
كما أقامت عليّ وعلى الجريدة دعوى قضائية بتهمة الإساءة إلى مديرة المصرف التجاري العراقي، وقد تطوع أكثر من محامٍ دفاعاً عن حمدية الجاف، حمامة المال الوديعة، النزيهة، وصاحبة اليد (البيضاء) .. ولولا عدالة ونزاهة القضاء العراقي المحترم، الذي رد الدعوى، لنلت وقتها حكماً يعلم الله نوعه ومقداره !!..
واليوم وبعد أكثر من تسع سنوات على ذلك المقال، يظهر القاضي الشجاع حيدر حنون رئيس هيئة النزاهة، ليعلن بنفسه قبل اربعة أيام، بأن: “ملفات حمدية الجاف، وعددها 17ملفاً قيد الإنجاز، وأن الأموال التي بذمتها إلى العراق تقدر بملياري دولار أمريكي، وقد تم استكمال 5 ملفات منها حالياً، في حين أن ملفاً واحداً يكفي لاستردادها ومحاكمتها في العراق”!!
والان وبعد هذا التصريح الواضح والشفاف للقاضي حيدر حنون، لم يعد لديّ شيء أضيفه، سوى ان أعيد نشر ذلك المقال الذي كاد أن يسبب لي مشكلة كبيرة، وغايتي من نشره، التذكير بأن الإعلام العراقي الشريف لن يخاف الباطل، وأن الأقلام الحرة لن تخشى قوة الفاسدين مهما كان نوع هذه القوة.
لقد نبهت وحذرت من طغيان وفساد حمدية الجاف قبل أكثر من تسع سنوات بمقال صريح.. إليكم نص هذا المقال :
عن أي نجاحات تتحدث حمدية الجاف؟!
فالح حسون الدراجي .. نشر بتاريخ: 17 كانون1/ديسمبر 2015
طالعتنا بعض الصحف العزيزة، بإعلان (مدفوع الثمن) في صفحاتها الأولى، نشرته السيدة حمدية الجاف مدير عام المصرف العراقي للتجارة (بفلوس الدولة). وبقدر ما كان الإعلان مُضحكاً (فكرة وأسلوبا)، كان أيضاً مليئاً بالمغالطات، والتجاوز على ذوات الناس، وبالقفز على الحقائق، على الرغم من أن هذه الحقائق باتت اليوم على ألسنة أغلب العراقيين، فضلاً عن لغة الإعلان الإتهامية لكل منتقدي اداء المصرف.. فتارة يتهمهم – أي الإعلان – بإطلاق (التصاريح، والمعلومات الكاذبة، والعارية عن الصحة)، أو حين يقول: (إن همهم الكبير هو الظهور على شاشات التلفاز، ولا يهمهم في ذلك، إذا كان ما يقولونه صحيحاً أم هي أكاذيب، الغرض منها تشويه المسيرة الناجحة والنجاحات التي يحققها المصرف لأغراض باتت معروفة للجميع)!!
وقبل أن أفكك هذا الإعلان، أود أن أسأل (حمدية) الجاف عن نجاح واحد من النجاحات التي حققها المصرف، متمنياً أن يكون ردها وافياً وشافياً، وبالأرقام الدقيقة، التي يتوجب على هيئة النزاهة أن تدقق فيها بعد نشره. ثم لماذا يتهِّم الإعلان (الإعلام الحر بالانجرار وراء تنفيذ أغراض التجار الفاسدين ومافيات المال، الذين يلاحقهم المصرف، لغرض إرجاع الديون التي بذمتهم، وأن يكون- الإعلام الحر- عوناً لنا في ملاحقة هؤلاء المتلكئين)؟!
وهنا سيكون مثال (شر البلية ما يضحك) منطبقاً تماماً على هذه الجزئية، لاسيما في فقرة (إرجاع الديون التي بذمة التجار الفاسدين ومافيات المال).. ولا أعرف كيف يمكن لمصرف يدعي ويقول عن نفسه، إنه (اسم كبير بين المصارف العالمية، ومكان ثقة جميع المؤسسات المالية العربية والعالمية وبوابة العراق المالية)، بينما يقدم في الوقت نفسه قروضاً كبيرة لتجار فاسدين ومافيات مال.. ؟!
ولو نفترض أن المصرف لا يعرف بفساد التجار المقترضين، لكن، اليس هناك آلية معينة أو ضوابط أو رهون أو ضمانات يقدمها المقترض للمصرف من أجل تأمين استيفاء مبلغ القرض، وتسديد ما بذمة التاجر- سواء أكان فاسداً أم شريفاً- قبل أن يمنح القرض، دون الحاجة الى مساعدة (الإعلام الحر) في متابعة المتلكئين، وكأن الإعلام يعمل شرطياً في مركز شرطة حمدية الجاف؟!
وقبل أن تتهمنا الجاف بالكذب وتشويه (المسيرة الناجحة) لها، ألا تستطيع أن تخبرنا عن الضمانات التي حصلت عليها مقابل عشرات القروض الفخمة التي قدمها مصرفها، والتي منها:
( قرض لشركة الشمال لتحضير لحوم الدواجن قدره 145 مليون دولار.. حيث تم التأكد من أن هذه الشركة مملوكة لأحد أقاربها، وأقصد به السيد (سرتيب ناظم آغا الجاف/ حسب الوثائق)، وهل تخبرنا عن الضمانات التي استحصلتها مقابل القروض الممنوحة لشركات كردية تابعة لأقاربها أيضاً، خاصة وأن هناك وثائق تشير الى موافقة السيدة الجاف على بيع وتحويل وإقراض مبلغ حوالي 750 مليون دولار إلى أشخاص في شركات كردية.. كما تم بيع، وتحويل مبلغ 20 مليون دولار بسعر صرف 1200 دينار عراقي للدولار الواحد للسيد نوزاد الجاف، ووثيقة ثالثة تشير الى موافقة مديرة المصرف حمدية الجاف بمنح قرض قيمته 250 مليون دولار لشركة أحمد إسماعيل، لغرض تمويل مشروع إنشاء محطة كهربائية استثمارية.. وماذا تسمي حمدية، الوثائق التي تسربت من البنك التجاري العراقي، حول الـ ( 145 مليون دولار) التي دفعت لمعمل تحضير لحوم الدواجن، أي تحضير المارتديلا والصوصج، والسلامي، وغيرها.. وهذا النوع من المعامل لا يكلف في أوربا أكثر من خمسة ملايين دولار ..والسؤال: الى اين ذهب المبلغ، ومن هم الشركاء في هذه الصفقة.. وهل جرى ذلك بمعزل عن حكومة الاقليم.. أم ان حكومة الاقليم شريكة فيها)؟
بيدي الآن عشرات الوثائق لقروض كبيرة ليس لها ضمان سوى عقارات هشة، لا تساوي عُشر قيمة القرض، وبعض هذه العقارات تقع في إقليم كردستان، أي خارج سيطرة الحكومة العراقية، وكلنا نعرف أن الأجهزة الحكومية غير قادرة على الوصول اليها، أو مصادرتها، حتى لو تطلع نخلة براس الحكومة، (وأبو الحكومة) !!
وإذا كانت صفحات السيدة حمدية الجاف ناصعة البياض.. فمن أين وكيف جاءت هذه الوثائق ولماذا استدعت لجنة النزاهة النيابية حمدية الجاف قبل شهر لتسألها عن الفساد في مصرفها؟!
ختاماً.. اليكم تصريح المصرف العراقي للتجارة المنشور أمس:
(لاحظنا في الاسابيع الاخيرة قيام بعض وسائل الاعلام بحملة اعلامية مضادة ضد مصرفنا ومديرها العام، مستشهدة في ذلك ببعض التصاريح والمعلومات الكاذبة والعارية عن الصحة من بعض الذين همهم الكبير هو الظهور على شاشات التلفاز ولا يهمهم في ذلك اذا كان ما يقولونه صحيحا ام هي اكاذيب، الغرض منها تشويه المسيرة الناجحة والنجاحات التي يحققها المصرف لأغراض باتت معروفة للجميع…)!!
سأتوقف عن إكمال تفاصيل هذا الإعلان الذي نشرته حمدية الجاف في الصحف والقنوات الإعلامية يوم أمس، متمنياً على القارئ الكريم، أن يقرأه كاملاً في الصحف والقنوات الإعلامية، وأن يتمكن في الوقت نفسه من السيطرة على نفسه، لأن الإعلان بصراحة: (يخرُّب ضحك)!!