بقلم: هادي جلو مرعي ..
كما وصفته في برنامج سابق تبثه فضائية الفلوجة للزميل أنور الحمداني حين كان الحلبوسي يقتحم الميدان السياسي ليكون رئيسا للبرلمان العراقي، وها أنا أعود لذات الوصف حين شرحت معنى الحلبوسي بأنه الرجل الشجاع الذي إذا أراد شيئا لايعود عنه إلا وقد تحقق له.. فهو شجاع في الحصول على المنصب، وشجاع في المقاومة لكي لايتخلى عن زعامته، وشجاع في صناعة الفراغ حين لاتجري الرياح على هوى سفنه المحملة بالأمنيات والأحلام التي جعلته يصطدم بصقور السنة وحمائمهم، وبالشيعة وزعاماتهم الذين فتحوا له الأبواب مشرعة، لكنهم توقفوا قليلا حين ذهب بإتجاه التحالف الثلاثي لتشكيل الحكومة، وبالرغم من عودته عن ذلك التحالف، وإتفاقه مع الإطار الشيعي الذي أفضى الى رئاسة ثانية للبرلمان، لكن وبمايشبه الصدمة تخلى عنه الجميع حين سمعوا لقرار المحكمة الإتحادية بإنهاء عضويته في مجلس النواب، وخروجه من الباب الضيق حيث لم يتحرك لا الحلفاء، ولا المجاملون لمنع ذلك الخروج الصادم، وبالرغم من فوزه في الإنتخابات المحلية في بغداد والأنبار، وتكسيره لأجنحة التحالفات السنية التي كانت تنتظر هزيمته، لكنها تغافلت عن كونه مايزال مؤثرا في المشهد السياسي، وقادرا على كسب ود الجمهور السني في أكثر من محافظة، ثم تمكنه من اللعب على قاعدة فرق تسد التي منحته وقتا أطول ليمنع وصول رئيس جديد للبرلمان خلفا له من الأنبار تحديدا لأنه يدرك جدية الخصوم الذين يملكون وزنا سياسيا خاصة ساسة الأنبار الذين لايطيقونه، ويرغبون في تغييبه عن المشهد.
في الفترة الماضية حاول الحلبوسي الذهاب الى أكثر من وجهة، وتمكن من جذب بعض الأطراف إليه حين رشح بديلا عنه من صلاح الدين الشيخ شعلان الكريم الذي لاينتمي الى الحواضر السامرائية، ويعود الى جنوب المحافظة، والذي كان من المؤمل أن يقتل طموح الخصوم الأنباريين الأقوياء الذين قدموا سالم العيساوي الذي يتحرج الحلبوسي كثيرا منه، وهو من صنف السياسيين الذي لو تمكن من الرئاسة فسيضعف الحلبوسي تماما، ويقوض وجوده في الأنبار مع تغير الظروف، والنزعة الى إعادة ترتيب البيت السني والذي يتطلب خروجا حزينا من المشهد، فقوة الحلبوسي الحالية تتمثل في خلو الكرسي من البديل الذي يمكن أن يحتكر الضوء، وتسلط عليه وسائل الإعلام كاميراتها،ثم رويدا يبدأ الجمهور بالتوجه إليه حين يحتكم إليه الناس، ويكون في أعلى هرم السلطة التشريعية، وغالبا مايكون الناس مع الأقوى الذي يصدر القرارات، ومن خلال رضاه تتحقق المطامح والأمنيات، وإليه يعود الأمر والنهي، ولعل غالب ماكان يشتكي منه الخصوم في الحلبوسي ماسيتوفر لبديله المنتظر.
يقود الشيخ خميس الخنجر حراكا سياسيا لجمع الفرقاء السنة على مائدة حوار تكررت فيها النقاشات دون أن تفضي الى حلول مرضية مع تمسك كل طرف بموقفه الرافض لهذا المرشح، والمتمسك بآخر، مع جملة تصورات وأفكار في الغالب هي من نوع الأفكار التي تحتشد في مخيلة كل طرف سياسي لايريد تقديم تنازلات حقيقية قد تؤدي الى خروجه من المشهد، أو بقائه بمستوى تأثير محدود، بينما الجميع يبحث عن المساحة التي يظهر فيها بوصفه الرابح، والقادر على إدارة الأمور، ولعل ذلك من أسباب تمسك الحلبوسي بلعبة الفراغ التي تشتت الخصوم، وتمنحه المزيد من الوقت ليكسب نقاطا أكثر، ويمنع القيادات السنية من الإتفاق على رؤية موحدة تفضي الى نتيجة مقنعة تنهي الجدل السائد، وتمنع تفريخ المزيد من التكتلات السياسية الصغيرة داخل وخارج البرلمان.. فقد بدأت لعبة تشكيل التكتلات تستهوي المزيد، وصار كل ثلاثة، أو أربعة من النواب، والقادة السياسيين يسارعون الى إعلان تكتل يثير إنتباه وسائل الإعلام، لكنه سرعان مايتم تجاهله ونسيانه، ويبقى الجميع يلف ويدور في حلقة مفرغة، وفي فراغ قاتل في لعبة لاندري متى تنتهي.