بقلم: فالح حسون الدراجي ..
ينطلق غداً، قطار احتفالات وكرنفالات ميلاد الحزب الشيوعي العراقي، الذي تأجل انطلاقه بسبب شهر رمضان الكريم، من يوم الحادي والثلاثين من آذار حيث ميلاد الحزب، إلى يوم التاسع عشر من نيسان (يوم غد الجمعة)، إذ ستقام الاحتفالات منذ الصباح حتى الليل، وسيتألق فيه الشعر بشقيه الشعبي والفصيح، وتزدحم المعارض التشكيلية بلوحات الفرح وتخطيطات الزهو والفخر الشيوعي، كما ستكون السياسة والثقافة الوطنية حاضرتين في هذا اليوم عبر عدد من الاستذكارات والشهادات والندوات التي يتحدث فيها حشد من المناضلين المثقفين والصحفيين والفنانين الأصلاء الذين يتحدثون عن الإبداعات والمنجزات والابتكارات التي حققها المبدعون الشيوعيون خلال الأعوام التسعين من عمر حزبهم .. وما أكثر هؤلاء المبدعين وما أوفر منجزاتهم.
أما ختام الكرنفال والاحتفال فسيكون مسكاً، حيث يلتقي الجمهور المتعطش للغناء العراقي الأصيل مع الفنان الكبير محمد عبد الجبار، وأغنياته العاطفية والوطنية التي صدح بها عبر سنوات عطائه ومسيرته الغنائية التي تجاوزت الثلاثين عاماً، وقد علِمنا أن أغنيّتَيّ ( آني مو شيوعي) و (تسعين نجمة) ستكونان من بين الأغنيات التي سيقدمها عبد الجبار في هذا الحفل الفني الكبير الذي سيقام عصر يوم غد الجمعة في حدائق (أبو نؤاس)، وهي فرصة طيبة يوفرها هذا الكرنفال للجمهور العراقي العام للالتقاء بنخبة جميلة من أهم الشعراء والرسامين والفنانين العراقيين البارزين ومن بينهم الفنان المبدع محمد عبد الجبار.. إن قطار الميلاد (الافتراضي) الذي سيصل غداً محملاً بمباهج وآلام الشيوعيين، هو قطار العراقيين الوطنيين جميعاً.. فالحزب الشيوعي لم يكن يوماً حزباً طائفياً يخص طائفة معينة، ولا حزباً قومياً يدافع عن طموحات قومية بعينها، إنما هو حزب العراقيين جميعاً، وقد أثبت التاريخ صحة هذا التمثيل النضالي الوطني المشرف .. لذلك يتوجب على كل العراقيين (الوطنيين) الاحتفال غداً بعيد ميلاد حزب الوطنية الحقيقية، الحزب الشيوعي العراقي ..
وإذا كان (قطار العيد) سيصل غداً إلى محطته التسعينية في حدائق ابو نؤاس، فإن هذا القطار كان قد انطلق منذ زمن بعيد .. بعيد جداً، وقد تحرك من محطات، بعضها مؤلم وموجع، وبعضها مفرح وسعيد، كما مرّ هذا القطار (الافتراضي) على أماكن وأحداث وطنية وسياسية، حفرت وقائعها وأسماءها وتفاصيلها على روزنامة الأيام والسنين بقوة ..
نعم، فقد انطلق قطار العيد هذا من محطات الفقر والعوز والكدح والصبر، و الصرائف المظلمة، والأزقة الشعبية، ومن ليالي السجون الطويلة، والمنافي الباردة، وملاحم الفخر والنضال والصبر والتضحيات الموثقة بالدمع والدم، والمؤرخة بمواويل الحزن الجنوبي العميق..
إنه قطار التسعين عاماً من النضال، وسيأتي لكم من طرق وشوارع وجسور الانتفاضات الوطنية، وبوابات التظاهرات العمالية الباسلة، بدءاً من أبواب معمل الجگاير إلى معمل باتا إلى معامل الزيوت إلى موانئ البطل (هندال) البصري، إلى مواقع النفط وسكك الشالچية، وساحات (السباع)، وثانويات قتيبة والنضال وبور سعيد .. ووثبات البطولة والأمجاد وثبةً وثبة .. إنه قطار العمال والفلاحين ، قطار (المنجل والچاكوج)، بدءاً من چاكوج رحيم الشيخ علي إلى منجل هاشم چلاب، ومن ماكنة جاسم عودة إلى (مسحاة) خلف الدواح وقلمه الوطني اللاذع شمران الياسري (ابو كاطع )..
هذا القطار سيأتي قادماً من علاوي الحلة، أي من المكان ذاته الذي نصبت فيه تلك المشانق، للقادة والفرسان الميامين (فهد) ورفيقيه الأمينين صارم وحازم.. ومن قصر النهاية يأتي القطار حيث تعطرت ارضه يوماً بدم الخالدين سلام عادل وجمال الحيدري وحسن عوينة وعبد الجبار وهبي، وبقية الأقمار الساطعة في التاريخ الوطني..
نعم، سينطلق قطار (التسعين) غداً ، قادماً من جميع ملاحم الدم، بدءاً من قمة كاورياغي، وجبل هنديين، وجرح بشتآشان، ومفاخر (الأنصار)، وعيادة محمد بشيشي (أبو ظفر)، وبطولات المفرزة الخاصة بقيادة البطل (أبو هديل)، وحيث تكون بندقية فتى الثورة الأسمر النصير الباسل (أبو احلام)، ومن تلكيف (جورج تلو)، و(القوش الساطعة) بسطوع توما توماس (أبو جوزيف)، ورفاقه الكلدانيين .. ومن سجن الحلة و(نفق مظفر النواب) يأتي القطار الشيوعي، وقبلها يأتي من نگرة السلمان، من قصائد الفريد سمعان، ومواويل زهير الدجيلي، ودموع الحبايب التي ودعها ناظم السماوي هناك ومضى إلى حريته، ومن سجن الكوت.. من تلك المواجهة الدموية الخالدة، التي دارت بين السجناء العزل، والحراس القتلة.. ويأتي القطار بعرباته العديدة من موقع ( الموقف العام) حيث قلعة فاضل العزاوي الخامسة، وحيث هيبة حمزة سلمان (أبو سلام)، الى شباط سلام عادل – وما ادراك ما سلام عادل – وبقية العقد الماسيّ من تلك الأسماء البطولية الصامدة..
نعم، هو قطار الغموگة وفرسانها خالد أحمد زكي، وأمين خيون، وابو محيسن، وهو قطار آل ازيريج وبطلها (فعل ضمد) ، وهو قطار عشيرة (الشموس) وقمرها حسن الشموسي وعروسه (خبزة الدهن الحلوة)، إلى ثورة معسكر الرشيد وحسنها السريع الثائر ، ورفاقه ابن ناحية كميت العريف البطل عبد الكريم كاظم، وابن الصرائف الجندي الأول فليح حسن الساعدي، وبقية العرفاء والجنود الكواكب.. نعم، فهذا قطار الصابئة المندائيين المناضلين، حيث تتصدر عربته الأولى صورة البطل الفذ ستار خضير، وصور بقية الشهداء المندائيين امثال
أكرام عواد، وعميدة عذبي حالوب والتفات ثجيل، وانتصار خضير موحي، وبدرية داخل علاوي، وبشير زغير حرز، وجبار عنيد، وحميد شلتاغ حالوب، وعشرات غيرهم.
هو قطار الكرنفال الذي يصل غداً الى ساحات وصالات وحدائق الحفلات في محطته التسعين، حاملاً في عرباته الملونة آلاف قصائد الشعر، بدءاً من (ريل) مظفر النواب و(بهيجة) كريم العراقي مروراً برائعة كاظم إسماعيل الگاطع (گتله أرجع للحزب الشوعي).. و ( گبل ليلة) عريان السيد خلف، وليس انتهاءً بـ (مناجل) كاظم الركابي و(قصايد الوطن والناس )، وروائع ريسان الخزعلي ورياض النعماني وكاظم غيلان ورحيم الغالبي وكامل الركابي وغيرهم .. وسيأتي حاملاً باقات من أغنيات الفرح والمجد والثورة التحررية.. أغنيات شيوعية خالدة بدءاً من ( يالرايح للحزب خذني)، تلك الأغنية التي كان يرددها الشهيد سلام عادل في سجنه ومعتقله، مروراً بـ(مگعبة) الراحلين طارق الشبلي وعلي العضب التي أرعبت صدام ومرافقه صباح ميرزا في قاعة الخلد عام 1974، وأغنية : (يا شبيبة توحدي لجل النضال) لفارسَيها طالب غالي وفالح الطائي، وليس انتهاءً بأغنية ( ياجمال الغالي عذبنا الفراق .. مدري نبچي أعليك .. مدري إعله العراق)، تلك الأغنية التي أوجعتني في كتابتها مثلما أوجعت فنان الشعب فؤاد سالم وهو يلحنها أو يغنيها..
ختاماً.. ألا يستحق هذا القطار المكتنز بالجمال والمحبة، أن نحضر جميعاً قدومه عصر يوم غد، عند محطته التسعين في حدائق أبي نؤاس / قرب شهرزاد وشهريار .. ؟!