بقلم : د. سمير عبيد ..
أولا: يعتبر حزب الله الشيعي في لبنان هو الطرف الوحيد الذي على تماس مع إسرائيل في مايسمى بمحور المقاومة اولا ،وهو الأقرب لإسرائيل من إيران نفسها ثانيا .وهو الطرف الوحيد الذي خاض حروباً مختلفة مع الإسرائيليين( عسكرية ، واستنزافية ، واستخبارية ، ونفسية ، واقتصادية ، وسيبرانية ، وصواريخ ومسيرات ،اضافة لحروب السلاح الأبيض ” وجه لوحه” وحقق توازناً لا بأس به في الميدان الجيوسياسي . وهو الطرف الوحيد الذي غير معادلة الصراع العربي الإسرائيلي وجعل إسرائيل تتكبد الخسائر العسكرية والمعنوية والنفسية والاقتصادية .بحيث ماعجزت عنه الدول العربية والإسلامية مجتمعة حققه حزب الله . وهو الذي ثبّتَ قواعد الاشتباك بعزم الرجال والصبر وحسن التخطيط والتطوير ( وهذا يشهد به العدو قبل الصديق ). ولهذا لم تحسب إسرائيل اي حساب للدول العربية ولا حتى لمحور المقاومة ولا حتى لإيران مباشرة .بل تحسب حساب لحزب الله فقط .بدليل لولا حزب الله لِما تحق انجاز حركة حماس في 7 أكتوبر 2023 في غزة ضد الجيش الاسرائيلي. ولولا معركة الاستنزاف التي قادها حزب الله في 8 اكتوبر ولازالت لِما صمدت المقاومة الفلسطينية في غزة منذ 7 اكتوبر وحتى الآن !
ثانيا:-ولكن بعد اغتيال الشخصية العسكرية المهمة و الرجل الثاني في حزب الله وهو السيد ” الحاج محسن” ومن ثم اغتيال زعيم حركة حماس في طهران السيد إسماعيل هنيّة تغير المشهد تماما .وانتقل حزب الله من معركة الاستنزاف نحو معركة الارض المحروقة و ” القضم الاستراتيجي ” والتي قال عنها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله (نحن غير مستعجلين لأن الرد قادم ،وان تعطيل الرد هو جزء من الرد الذي جعل الإسرائيليين يقفون على ” تك رجل” فنحن مستمرين ” يواش يواش” ) واستغلها الاغبياء وانصار إسرائيل ونسجوا منها النكات والسخرية. والسبب لأنهم لم يعرفوا أن السيد نصر الله تعمد بإطلاق عبارة ” يواش يواش” ويقصدها تماما وربما هي الشيفرة ” الكود” إلى من يهمه الأمر . وبالمناسبة فان السيد نصر الله خص حزب الله والحوثيين في اليمن في الرد واستراتيجية ” بواش بواش” ولم يذكر محور العراق أبداً وهو واحد من دروس واقعية السيد نصر الله !
ثالثا:-ان الاستراتيجية التي أعلنها السيد نصر الله بعنوان ” يواش يواش” في الرد على إسرائيل هي استراتيجية التلاعب بأعصاب القيادة في إسرائيل واستراتيجية تثوير الإسرائيليين ضد نتنياهو.فجميع المراقبين والمتابعين والعالم شاهد كيف بدأ حزب الله حرب الاستنزاف مع الإشغال للجيش الاسرائيلي وتفتيت القرار الإسرائيلي للتخفيف عن غزة ومنذ يوم 8 اكتوبر ولازال .ولكن بعد فصل الاغتيالات غير حزب الله من استراتيجيته وبدأ بقصف وتدمير المراصد الاستخبارية والأبراج ، ومقرات الإسناد، وتهجير المدنيين من المدن والمستوطنات الاسرائيلية المحاذية إلى لبنان بهدف عدم قتل المدنيين، ومن ثم استهداف المقرات العسكرية والمنشآت المهمة. فخلق مشكلة وعبء اقتصادي ولوجستي وامني على الحكومة والمدن الكبيرة في إسرائيل التي تحملت عبء النازحين. وعطّل معظم المصانع في تلك المدن والمستوطنات . ولكن عندما اغتالت إسرائيل الرجل الثاني في الحزب وهو ( الحاج محسن) ومن ثم إسماعيل هنيّة تغير المشهد .فباشر حزب الله بتدمير القواعد والوحدات والمخابئ العسكرية وتدمير مقرات الاستخبارات وباستراتيجية ( الارض المحروقة ) .وبالفعل حقق الهدف بتفريغ مناطق وقواعد كثيرة وبات ينتقل إلى قواعد ومناطق ووحدات اخرى داخل العمق الإسرائيلي !
رابعا : فصدق حزب الله عندما باشر باستراتيجية ( بواش يواش ) بحيث خلق بلبلة داخل المجتمع الإسرائيلي وداخل القرار الإسرائيلي وداخل الإعلام الإسرائيلي وداخل النخب الاسرائيلية ( لان إسرائيل يدمرها النفس الطويل وتدمرها الحرب الطويلة لان اقتصادها يعتمد على المعونات الخارجية، ولأن 90٪ من مايحتاجه المجتمع الإسرائيلي يأتي عبر البحار ) اضافةً ان المناطق التي نجح حزب الله بتفريغها وهجرة سكانها هي تمثل ( السلة الغذائية للداخل الإسرائيلي ). ومن هنا تعاضمت المشاكل على الحكومة الاسرائيلية.وصدق السيد حسن نصر الله عندما قال ( لماذا تستعجل إيران ؟ ولماذا ترد ايران ؟ فليتركوا الموضوع علينا او على محور المقاومة ) وكان يعتمد على استراتيجية الزمن ،واستراتيجية التهجير والتفريغ لحين مرحلة ( القضم ) .. فحزب الله الان امام قرار الاجتياح للمدن التي افرغها من المدنيين لفرض حدود اشتباك جديدة ولم يتخيلها نتنياهو اطلاقا . ومن هنا باتت تصرخ واشنطن والادارة فيها للتعجيل في ايقاف الحرب في غزة قبل ان تدخل اسرائيل والمجتمع الإسرائيلي في النفق المظلم !
خامسا:-وبالتالي نجزم ان ايران لن ترد بضربة عسكرية ضد إسرائيل لان الولايات المتحدة والدول الغربية تتوسل إيران ان لا ترد لكي لا تحدث حرب اقليمية غير مُسيّطَر عليها ولن يُسيطَر عليها. وايران سعيدة بهذا التهافت الاميركي والغربي عليها لتُليّن مواقفهم تجاه النظام الايراني . وبالتالي اي الولايات المتحدة والغرب هي التي ( اعطت قيادة حركة حماس إلى “يحيى السنوار” لكي تُرضي ايران ، ليكون تعويض عن موضوع اغتيال إسماعيل هنيّة في طهران ) بدليل ان وزير خارجية اميركا بلينكن قال ( منذ اليوم الاول من المفاوضات مع حماس على ايقاف الحرب كان السنوار فاعلا في هذه المفاوضات وهكذا نشر الاعلام الاميركي ) وهذا يعني ان واشنطن والغرب ليس لديهم مشكلة ان يكون السنوار المحسوب على ايران وحزب الله فاعلا في مفاوضات ايقاف الحرب، ويكون فاعلا بقيادة حركة حماس للمرحلة الجديدة . ومن الجانب الاخر خلاص تم تفريغ اليد العربية والإسلامية من ورقة وموضوع القضية الفلسطينية وباتت في اليد الإيرانية وهذا ما خططت له إيران منذ عقود ونجحت بذلك. وايران تعتبر ذلك ” ديّة” كافية لها لمقتل هنيّة في طهران .وبالتالي هي لست بحاجة للرد العسكري ضد إسرائيل !
سمير عبيد
8آب 2024