بقلم: كمال فتاح حيدر ..
كان معروفاً بين الموظفين بكسله وخموله وتخلفه وغباءه الشديد، ربما لأنه كان متعثرا في تعليمه، وربما لأنه كان مرهقا بسبب عمله الليلي كسائق سيارة قديمة بين القرى والأرياف. لكنه قفز فجأة فوق سطوح الدرجات الوظيفية العليا، ليصبح هو الآمر الناهي، ويمسك بصولجان الادارة والقيادة في مؤسسة لم يكن يحلم بإلتقاط صورة قرب نوافذها الخارجية. ومع ذلك دخلها بقوة الفاتحين، وتربع على عرشها خارج الضوابط والتعليمات، وخارج الأعراف والتشريعات. .
سخر منه الموظفون في الأشهر الاولى. وخرجوا بمظاهرات عارمة احتجاجاً على قراراته الارتجالية المتعثرة، فاقتلع جذورهم الوطنية، وحكم عليهم بالتهجير إلى المنافي البعيدة، ثم صارت لديه قوة مسلحة من الضباع المتنمرة. يضرب بها المنتفضين، ويشتت بها صفوف المعترضين. يداهم بيوتهم بعد منتصف الليل. يروّع أطفالهم، يخطف اولادهم. صار يمتلك من الصلاحيات ما لا يمتلكها الوزير نفسه. يتعاقد مع من يشاء. ويفسخ العقود مع من يشاء. يتصرف على هواه، وحسبما يمليه عليه مزاجه. يتنقل داخل البلاد وخارجها بطائرات خاصة. يحمل معه حقائب ممتلئة بالدولارات. ينثرها فوق رؤوس المصفقين له في دكاكين الدولة. .
شهد له القاصي والداني، بأنه فوق القانون، وفوق البرلمان، وفوق الوزير. بل فوق الوزراء كلهم. وصارت لديه علاقات متينة بسفارات البلدان الأجنبية القوية، يتخابر معهم ويزورهم ويلتقيهم في قصوره الساحلية البعيدة. .
اعتمد في بداية الأمر على الدعم الذي تقدمه له كتلة سياسية واحدة، ثم توسعت علاقاته مع الكتل السياسية المتعددة، واضحى يتلقى منهم الدعم والتأييد، فالأموال تغري أقوى الرجال. .
لا احد يحاسبه. ولا أحد يراقبه. ولا احد يدقق في سجلاته. ولا احد يتابع خطواته، خضعت له الأقلام الرخيصة، واستعان بجوقة المطبلين والمزمرين. وارتبط بكل المافيات والعصابات، وهو الآن في طريقه نحو بناء إمبراطوريته الفرهودية فوق ارض الفوضى والانفلات. .
يحمل من الألقاب والعناوين ما لا يحمله نيقولا تيسلا، ومن الإنجازات الوهمية ما لا يفكر به مؤلف روايات هاري بوتر. الأغرب من ذلك كله انه ظل محتفظا بغباءه القديم، اما كيف توفرت له أسباب البقاء حتى الآن فذلك يعزى إلى ان الجهل نفسه يشكل قوة انفجارية تحاصر الأسوياء وترهب العقلاء. ولسان حاله يقول:
فمَن رام تقويمي فإني مقوَّمٌ
ومَن رام تعويجي فإني معوَّجُ
وما كنت أرضى الجهلَ خدناً وصاحبا
ولكنني أرضى به حين أُحْوَ