بقلم : م.م. زهراء موسى جابر ..
تنصب التوقعات حول الإدارة الامريكية الجديدة واولوياتها, فبعد انتهاء الانتخابات الرئاسية المزمع اقامتها في الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر من العام2024 تبدأ مرحلة إعادة ترتيب الأولويات, وصياغة السياسات التي ستؤثر على مسار البلاد لأربع سنوات قادمة على الأقل؛ إذ تمثل الانتخابات الرئاسية للولايات المتحدة نقطة تحول استراتيجية في رسم السياسات الداخلية والخارجية للولايات المتحدة, والساحة الدولية، التي تكون مرتبطة بشكل أساسي بالعديد من العوامل من بينها الخلفية السياسية والفكرية للرئيس المنتخب وفريقه، تجري المنافسة بين دونالد ترامب وكمالا هاريس التي تشغل في الوقت الحاضر منصب نائبة الرئيس(المرشحة الديمقراطية)، وقد اختارت “تيم والتز” (حاكم مينيسوتا) كنائب لها, يركز الثنائي هاريس-والتز على جذب الناخبين الشباب وتعزيز الدعم في الولايات المتأرجحة، كما يسعى والترز لجذب الناخبين في المناطق التي فقد فيها الديمقراطيون الأصوات لسنوات. في حين يستمر دونالد ترامب في قيادة الحملة الانتخابية كمرشح الحزب الجمهوري الأوفر حظاً؛ تظهر استطلاعات الرأي أن المنافسة ستكون شديدة بين ترامب وهاريس، إذ ما يزال ترامب يتمتع بقاعدة دعم قوية بين ناخبي الحزب الجمهوري، بينما تسعى هاريس لتعزيز موقفها عبر التركيز على السياسات الاجتماعية والاقتصادية التي تهم الناخبين. فمن المتوقع أن تكون المنافسة شديدة بالنظر إلى الوضع السياسي الحالي، والتحديات التي تواجه كل من المرشحين في جذب الناخبين وتقديم برامجهم الانتخابية.
الانتخابات الأمريكية لها تأثيرات كبيرة على الصعيد الدولي، نظراً للدور البارز الذي تلعبه الولايات المتحدة في العالم. في هذه المقالة، نقدم رؤية تحليلية لتوجهات الإدارة الأمريكية المحتملة عقب الانتخابات الرئاسية، مع التركيز على القضايا الاقتصادية، الاجتماعية، السياسية، والأمنية.
السياسات الاقتصادية: التركيز على الاستدامة وإعادة توزيع الثروة
أ. تعزيز النمو الاقتصادي والتحفيز المالي: الإدارة الجديدة ستواجه تحديات اقتصادية متنوعة تشمل تباطؤ النمو الاقتصادي، التضخم، والدين العام؛ لذلك، من المتوقع أن تتبنى الإدارة سياسات مالية توسعية لتحفيز الاقتصاد عن طريق:
حزم تحفيزية موجهة: قد تقوم الإدارة بإطلاق حزم تحفيزية تستهدف قطاعات محددة تعاني من آثار الأزمات الاقتصادية، مثل قطاع الخدمات، والصناعات الصغيرة والمتوسطة، وتكنولوجيا المعلومات؛ هذه الحزم يمكن أن تتضمن إعانات حكومية، قروض ميسرة، وتخفيضات ضريبية.
الإنفاق على البنية التحتية: تمثل البنية التحتية من أهم المجالات التي قد تركز عليها الإدارة لتحفيز الاقتصاد؛ يمكن أن تشمل هذه الاستثمارات تطوير شبكات النقل، توسيع البنية التحتية الرقمية، وتحسين شبكات الكهرباء والمياه، مما يخلق فرص عمل ويعزز النمو على المدى الطويل.
ب. إعادة هيكلة النظام الضريبي: مع ازدياد الضغوط على الميزانية الفيدرالية، قد تسعى الإدارة إلى إصلاح النظام الضريبي عبر:
فرض ضرائب أعلى على الشركات الكبرى والثراء الفاحش: من المحتمل أن تتبنى الإدارة سياسة ضريبية تهدف إلى زيادة الضرائب على الشركات الكبرى وأصحاب الثروات الضخمة؛ الهدف من هذه الخطوة هو زيادة الإيرادات الحكومية دون التأثير السلبي على الطبقة المتوسطة والدنيا.
إصلاحات ضريبية للطبقة الوسطى: ستسعى الإدارة إلى تخفيض الأعباء الضريبية على الطبقة الوسطى كجزء من جهودها لتوسيع القاعدة الاستهلاكية وتحفيز الاقتصاد المحلي؛ قد تشمل هذه الإصلاحات تخفيض الضرائب على الدخل وزيادة الاعتمادات الضريبية للعائلات.
السياسات الاجتماعية: تعزيز العدالة الاجتماعية وتوسيع نطاق الرعاية
أ. إصلاح النظام الصحي: أحد أهم الأولويات الاجتماعية للإدارة الجديدة سيكون إصلاح النظام الصحي الأمريكي. تشمل هذه الإصلاحات:
توسيع التغطية الصحية: من المتوقع أن تسعى الإدارة إلى توسيع نطاق التغطية الصحية عن طريق تعزيز نظام “أوباما كير” أو تقديم نظام جديد يعتمد على تأمين صحي شامل. يمكن أن تشمل الإصلاحات توسيع برامج Medicaid وMedicare لتشمل عدداً أكبر من المواطنين.
خفض تكاليف الرعاية الصحية: تعمل الإدارة على خفض تكاليف الرعاية الصحية عن طريق تنظيم أسعار الأدوية، وتحسين كفاءة نظام الرعاية الصحية، وربما تبني سياسات لتقليل الإنفاق الزائد في القطاع الصحي.
ب. معالجة عدم المساواة: الإدارة الجديدة ستواجه مطالب ملحة لمعالجة القضايا المتعلقة بعدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية:
تحسين التعليم: التعليم هو أحد المجالات الأساسية التي قد تستثمر فيها الإدارة للحد من عدم المساواة. يمكن أن تشمل السياسات دعم التعليم الابتدائي والثانوي في المناطق المحرومة، وتقديم منح دراسية مجانية أو مخفضة التكلفة للتعليم العالي.
العدالة العرقية: ستعمل الإدارة على تعزيز العدالة العرقية عبر سياسات تستهدف القضاء على التمييز وتحسين الظروف الاقتصادية للأقليات العرقية، يمكن أن تتضمن هذه السياسات إصلاحات في النظام القضائي، وبرامج اقتصادية موجهة لدعم المشروعات الصغيرة في المجتمعات المهمشة.
السياسة الخارجية: التحوط الجيوسياسي وتعزيز الدبلوماسية
أ. إدارة العلاقات مع الصين وروسيا: تعد العلاقات مع الصين وروسيا من أكثر الملفات تعقيداً في السياسة الخارجية الأمريكية؛ فالإدارة الجديدة قد تتبع نهجاً مزدوجاً يجمع بين الضغط والمفاوضات، إذ تختلف السياسات بين المرشحين بشأن كيفية التعامل مع الصين وروسيا؛ إدارة هاريس قد تتبنى نهجاً أكثر تعددية واستمراراً في العقوبات ضد روسيا ودعماً لأوكرانيا، بينما قد يميل ترامب إلى نهج أكثر توازناً أو حتى تصالحي مع روسيا، وموقفاً أكثر تشدداً تجاه الصين.
ب. تعزيز التحالفات التقليدية: التحالفات مع الدول الحليفة ستظل حجر الزاوية في السياسة الخارجية الأمريكية: سياسات هاريس قد تعزز الأمن الأوروبي عبر دعم الحلفاء وتقوية الناتو، بينما قد تؤدي سياسات ترامب إلى تهدئة التوترات مع روسيا، لكنها قد تثير مخاوف لدى الحلفاء الأوروبيين بشأن التزام الولايات المتحدة بأمنهم. من المحتمل أن تسعى هاريس لتعزيز التحالفات في آسيا، خصوصاً مع اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا لمواجهة النفوذ الصيني المتزايد في المنطقة. قد تتضمن هذه الجهود تعزيز التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة والتعاون الدفاعي المشترك. اما ترامب سيعمل على تقليل الالتزامات العسكرية الأمريكية. اما في الشرق الأوسط فسوف تسعى كمالا هاريس لمحاولة إحياء الاتفاق النووي الإيراني مع تخفيف العقوبات الاقتصادية مقابل التزام إيران بالقيود النووية، فضلاً عن العمل على تحسين العلاقات مع الحلفاء التقليديين مثل السعودية والإمارات، مع التركيز على قضايا حقوق الإنسان، وتعزيز الجهود لتحقيق حلول سلمية للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني. في حين ستسعى إدارة ترامب الى استمرار سياسة الضغط الأقصى على إيران عبر العقوبات الاقتصادية والضغط الدبلوماسي والعسكري، وتعزيز العلاقات مع دول مثل السعودية والإمارات عبر التعاون الأمني والاقتصادي، والسعي إلى تقليل التواجد العسكري الأمريكي المباشر في المنطقة مفضلاً دعم الحلفاء المحليين.
البيئة وتغير المناخ: من الالتزامات الدولية إلى التنفيذ المحلي
إدارة هاريس من المتوقع أن تعيد الانضمام إلى اتفاقيات بيئية دولية مثل اتفاقية باريس للمناخ وتلتزم بمبادرات خفض الانبعاثات الكربونية. في المقابل، قد تتبع إدارة ترامب سياسات أقل تشدداً تجاه التغير المناخي، مفضلة النمو الاقتصادي على الإصلاحات البيئية الصارمة.
الأمن القومي: توسيع القدرات الدفاعية وتعزيز الأمن السيبراني
أ. مكافحة الإرهاب والتطرف الداخلي: ستظل مكافحة الإرهاب على رأس أولويات الأمن القومي:
تعزيز القدرات الاستخباراتية: من المتوقع أن تركز الإدارة على تحسين قدرات جمع المعلومات الاستخباراتية، وزيادة التنسيق بين وكالات الأمن الداخلي والجهات الدولية لمواجهة التهديدات الإرهابية.
التطرف الداخلي: ستعمل الإدارة على مواجهة التهديدات المتزايدة من الجماعات المتطرفة داخل الولايات المتحدة، قد تشمل السياسات توسيع الجهود للحد من انتشار الأيديولوجيات المتطرفة عبر الإنترنت وتعزيز قوانين مكافحة الإرهاب المحلي.
ب. تعزيز الأمن السيبراني: مع تزايد الهجمات السيبرانية، ستركز الإدارة على تعزيز الدفاعات السيبرانية:
تحسين الدفاعات الوطنية: ستسعى الإدارة إلى تطوير أنظمة حماية سيبرانية أكثر تطوراً لحماية البنية التحتية الحيوية مثل شبكات الكهرباء، الاتصالات، والخدمات المالية، يمكن أن تشمل هذه الجهود تعاوناً مكثفاً مع القطاع الخاص لتعزيز الأمن السيبراني.
الهجمات السيبرانية الهجومية: قد تتبنى الإدارة سياسة هجومية في الفضاء السيبراني، تهدف إلى ردع الدول والجماعات التي تشن هجمات إلكترونية ضد الولايات المتحدة، يمكن أن يشمل ذلك تطوير قدرات هجومية متقدمة واستخدام هذه القدرات كوسيلة ضغط دبلوماسية.
ختاماً: الإدارة الأمريكية ما بعد الانتخابات ستواجه تحديات كبيرة على جميع الأصعدة، فالنجاح في تحقيق الأهداف الطموحة يتطلب مقاربة متوازنة واستراتيجية تجمع بين التحفيز الاقتصادي، تعزيز العدالة الاجتماعية، تبني سياسات خارجية مدروسة، ومواجهة التهديدات الأمنية والبيئية, يبقى التحدي الأكبر هو تحقيق توافق سياسي داخلي لدعم هذه السياسات، في ظل بيئة سياسية مشحونة وانقسامات عميقة، فإذا تمكنت الإدارة من تنفيذ سياساتها بنجاح، ستعزز من دور الولايات المتحدة كقوة عالمية رائدة وقادرة على مواجهة التحديات المستقبلية بفعالية.