بقلم : عمر الناصر ..
اكبر ازمة بالعراق لا يأخذ صداها اكثر من ثلاثة ايام ثم تنسى وتمحى من ذاكرة المواطن السمكية وتطوى صفحتها على اعتبار اننا نؤمن بفلسفة” ازمة جديدة تدفع ازمة سابقة على غرار مقولة “صدقة قليلة تدفع بلاوي كبيرة “، حتى اصبح المواطن البسيط لا يكترث بالنمو والازدهار الاقتصادي او اهتمام الحكومة بتعظيم ايراداتها ودخلها القومي، بقدر ان يرى سراق المال العام خلف القضبان، واذا رأى بأن هنالك تقدم وتحسن ملموس في بعض القطاعات والمفاصل المهمة التي تنعش الميزانية العامة وتغطي على الاقل جزءا من العجز والنفقات الحاكمة ، فلابد له ان يذهب للصورة النمطية المغلوطة لديه ومفادها ان جميع تلك الايرادات ستذهب لجيوب الفاسدين وهذه اخطر نقطة تصل بانعدام الثقة بين المواطن والمسؤول، نتيجة الاحباط والاخفاق والتعقيد بمهمة مكافحة الفساد والافلات من العقاب الذي نص عليه القانون الدولي ، في وقت اصبحت فيه افواه الاغلبية الصامتة تأخذ وضع السبات او الغفوة لانها فقدت الامل بالمطلق، او انها ادركت بأنه من السهل استئجار اقلام “قوبية” وظيفتها الدفاع المستميت والتلميع الاعلامي ومسح اكتاف فاصد نزق سرق المال العام دون الالتفات او الاكتراث او حتى الشعور بمسؤوليته الشرعية والاخلاقية ،في وقت ترتفع فيه الاصوات الانتهازية المليئة بالعفن الفكري لاجل تحويل جزء من الشارع لمجتمع قطيع “cuttle society”سهل الانقياد بعيداً عن مدركات الوعي والنضوج ، بل وصل الامر بانقسام الشارع لمؤيد ومعارض او متعاطف ،مع او ضد افضل اسوء الفاسدين وسراق المال العام الذين يجيدون اللعب “بالبيضة والحجر”، بل اصبح الرأي العام يصنف ويسوّغ للسراق مابين السرقات التافهة التي لا تستحق انفعال وغضب وحفيظة او انزعاج او تسليط ضوء البروباغاندا الاعلامية ، من الكبيرة مثل سرقة القرن التي تحيط بها استراتيجية الالهاء والغموض، في وقت اصبحت الهوية البصرية للفساد لها خوارزميات معقدة وتتمتع بمعايير وترميز خاص بالارقام الفلكية للسرقات التي تتمتهى وتغازل العقل الجمعي، الذي لم يعد يؤثر به سوء الادارة وتردي الخدمات ولا تثير مخاوفه انفعالات فيسبوكية مؤقتة، يتغير شكله تدريجيا الى اسفنجة تعمل على تحويل التمرد النفسي والامتعاض والسخط وعدم الرضى بالواقع المرير إلى تغذية عكسية للجمود وشعور ذاتي بالذنب والندم وجلد الذات ، بل ان الكوميديا السوداء لابد ان تكون الحاضر الاقوى لتبرر وتشرعن للفاسدين تطاولهم على المال العام من خلال تقنين وتسويق مفهوم “وهم الحقوق الضائعة” التي عشعشت داخل الجزء المخفي من ادمغة الكثير من المجتمع، الذي يعيش بمرحلة التكيف مع الاضطراب مابعد الصدمة “PTDS”، رافعاً شعار “لاتشتموهم بعد سرقة المالات “.
انتهى ..
خارج النص / الاستعداد النفسي لمواجهة الوهم يبدأ بقدرة الفرد على تحديث عقله واعادة انتاج فكره.