بقلم: فالح حسون الدراجي ..
إذا كان لعنوان هذا المقال سبب سأذكره هنا حتماً، فإن للمقال برمته، واقعةً، وثيمةً وقصة مثيرة تستحق كتابة مقال أو ربما أكثر .. وهذا يعني ان افتتاحيتي هذه – بما فيها العنوان- ليست إعلاناً دعائياً نروج من خلاله بضاعةً لأحد، ولا مديحاً لمسؤول، وإلا لكنا امتدحنا رأس السلطة الاول في الدولة، أو امتدحنا زعامات المال والسلطة والسلاح في البلد .. لكننا لم ولن نفعل ذلك أبداً، لأننا اليوم أمام مسؤولية وطنية وأخلاقية وانسانية تستدعي منا قول الحق قبل فوات الاوان، وتسمية الأشياء بأسمائها مهما كانت نتائجها ثقيلة .. فالتاريخ لن يرحمنا إن تغافلنا عن ذلك، وعار الخنوع والجبن سيلاحقنا بجحيمه إلى الأبد..
لا اعرف كيف يمكن للكاتب أن يصمت وهو يرى أطفال (حي طارق) يبحثون بين حاويات القمامة عن كسرة خبز، بينما يرتدي ابن الوزير الحرامي احسان عبد الجبار ساعة سعرها مليون دولار، لمجرد ان ماركتها (رولكس )، ويقتني ابن الحرامي الطرطور نور زهير سيارة (لامبورگيني) أو سيارة (فراري) التي يتجاوز سعر الواحدة منها المليوني دولار .. ؟!
لذلك يجب علينا أن نقول الحق ونُعرّف بالحقيقة دون خوف او حياء او خشية ان يتهمنا البعض بما يحب ان يتهمنا دائماً.
وقبل ذلك علينا ان نعترف أن المرحلة التي نمر بها اليوم هي أخطر مراحل تاريخ العراق، فثمة معركة عنيفة – وإن كانت غير متكافئة- بين قوى الفساد وقوى النزاهة.. بين جيش الحق وجيوش الباطل.. بين قوى الظلام وقوى النور، بين الحب والكراهية.. بين آباء أطفال الجوع وحاويات القمامة المظلومين، وبين آباء ابناء الرولكس وسيارات فراري، السفلة الفاسدين.. وهذه المعركة ستكون الفاصلة برأيي، أي، نكون أو لا نكون.. وثقتي بالنصر عظيمة رغم أن (دولة) نور زهير وأتباعه، قوية، وغنية، ومتنفذة، تتسع – للأسف – كل يوم، وتكبر وتقوى في كل ساعة.. بينما دائرة النزاهة – وإن كانت نشيطة وشجاعة وواثقة من نفسها- وحيدة، محاصرة من كل الجهات، ومستهدفة من (الأقارب والعقارب) كما يقول المثل العراقي..
لكن النزهاء سينتصرون، والفاسدون يهزمون حتماً، مادام هناك رجال وقفوا ويقفون بوجه امبراطورية الفساد بكل أسلحتها ومرتزقتها ودعاماتها ..
وقبل أن أختم مقالي، دعوني اروي لكم حكاية هذا المقال والقصة التي جرت أحداثها في الأسبوع الماضي، حين جلست أنا والزميل عباس غيلان في ركن من أركان مقهى رضا علوان الشهير.. وقبل أن نرتشف قهوتنا ونغادر المقهى، حضر احد الأصدقاء، وبعد التحية والسلام استأذننا بالانضمام إلى طاولتنا، فرحبنا به طبعاً، خاصة وهو صديق عزيز، ودود، ومثقف، لا يمل الحديث معه ابداً ..
كانت أمامي على الطاولة نسخة من جريدة الحقيقة، استأذنني بتصفحها، وبعد أن تصفحها بشكل سريع، رفع رأسه نحوي قائلاً :
جريدة ممتازة.. وأعتقد أنكم أول جريدة بعد سقوط النطام، لا تضع صورة كبيرة لدولة (الرئيس) في وسط صفحتها الاولى ..
قلت له: نحن نضع الخبر الأهم في الصفحة الأولى، أولاً، ثم نضع الصورة التي تلائم ذلك الخبر، وليس العكس.. لقد انتهى عهد (جريدة الثورة) وصورة الرئيس القائد كل يوم ..!
وبعد صمت قصير سألني صديقي قائلاً: من هو برأيك أقوى شخص في العراق؟
قلت: أظنه الرباع علي عمار يسر، الذي نجح في خطف 200 كغم وكسر الرقم العالمي في النتر بعد ان رفع 237 كغم..
فقاطعني ضاحكاً: خويه يا خطف يا نتر ، يا رقم قياسي، آني أتحدث عن اقوى شخصية في الدولة العراقية يمكن ان يخافه ويهابه الآخرون.. فمن ترشح ياترى؟
قلت: أرشح رئيس هيئة النزاهة القاضي حيدر حنون ..
قال: لماذا لم ترشح رئيس
الوزراء أو رئيس القضاء او رئيس الجمهورية او رئيس البرلمان مثلاً ؟
قلت: أولاً.. إن رئيس الوزراء رجل الدولة الرحوم، العطوف، الرؤوف الكريم المبتسم الصبوح، والمسؤول الاول في البلد، الذي يبني لنا كل ساعتين جسراً ، ويشيد المصانع، ويمنح الأراضي للعوائل المحتاجة، ويطلق التعيينات للشباب، ويكرم الفقراء المتعففين، ويساعد ابناء شعبه، فكيف يخافه الناس إذن؟
اما رئيس الجمهورية – والكلام لم يزل لي-
فمنصبه رمزي، وفخري، لا توجد لديه صلاحيات قانونية يمكن الاستفادة منها أو الخوف من رهبتها .. أما رئيس مجلس القضاء، فالرجل لا يحكم سوى بمواد القانون، إذ بعد أن يقف امامه المتهم وقد انتهى معه التحقيق، حددت له المادة التي سيحاكم فيها من قبل القضاء قبل أن يدخل قفص الاتهام، وبذلك فإن القضاء محكوم بالقانون لا يحكم به ..
ثم التفتُّ إلى صديقي وقلت له: أما رئيس البرلمان، فأود أن اسألك: بربك هل لدينا الآن (رئيس برلمان) حتى نعده بالعدة؟!
وقبل أن يجيب صديقي، اكملت حديثي قائلاً : أما رئيس هيئة النزاهة حيدر حنون، فقد بات اسمه اليوم، وبعد ما حققه من نجاحات كبيرة، مخيفاً ومرعباً لجميع اللصوص والمرتشين والفاسدين، إذ ما أن يُستدعى المسؤول الفاسد إلى التحقيق في هيئة النزاهة أو فروعها، حتى تحول إلى فأر مرتجف خائف، لاتقوى قدماه على حمل جسده المرعوب، على الرغم من أن جميع العاملين في هيئة النزاهة سواء أكانوا محققين او موظفين وموظفات، مهذبون جداً، بل هم في احسن وأعلى المواصفات الأخلاقية والانسانية – وهذا الأمر صار يتفق عليه جميع من زار هيئة النزاهة أو مرّ على فروعها متهماً او زائراً.
قاطعني صديقي قائلاً:
إن الذين يخافون هيئة النزاهة ورئيسها هم الفاسدون فقط، فلماذا تعمم ذلك على الجميع ؟
قلت: لأن سرطان الفساد قد أصاب جسد الدولة العراقية في جميع مفاصلها، وبات المسؤول النزيه مثل عملة نادرة، واصبح الموظف العفيف (لگطة) لايمكن الحصول عليه بسهولة وسط هذا الورم الكمي الهائل من المسؤولين والموظفين ورجال الأعمال واصحاب المصارف والبنوك الحكومية والأهلية الفاسدة، فضلاً عن التجار واصحاب الشركات بل وحتى الأطباء واصحاب المستشفيات والصيدليات وغيرهم من الفاسدين .. لذلك توجهت عيون الناس نحو النزاهة، وصوب رئيسها، وكأنها تحتمي به من ظلم ورعب وجشع الفاسدين الذين سرقوا اموال اليتامى والفقراء، فهو برأيهم المخلص الوحيد، والمنقذ الأوحد لاموال العراق المرشحة للضياع كل يوم، فضلاً عن انهم ينتظرون منه اعادة الاموال المنهوبة..
فحين تكون الدولة منهوبة من الغلاف إلى الغلاف، ويكون اللصوص طلقاء، لم يعد ثمة رجاء إلا بمن أثبت أنه قادر على تحقيق هذا الرجاء .. وللحق والأمانة، فقد اثبتت هيئة النزاهة ورئيسها حيدر حنون انهم أهلٌ للرجاء، وبالعراقي الفصيح: (گدها وگدود ) .