بقلم : حسين الذكر ..
لم أكن أعي شيئاً عن صياح ذلك الديك الذي يوقظ أبي كل فجر لصلاته.. مع مرور الوقت أدركت فوارق عديدة بين مناداته بأعماق الظلمات منبئاً بحلول فجر جديد … وبين صوته بأوقات الظهيرة أو العصر ، لا أظنه يطلق صياحه على العواهن ، ولا أعتقد أن المهمة تتعلق بغريزة البقاء أو الحاجة إلى غذاء أو سد رمق شخصي ..
كلما تقدم بي العمر أدركت أن مهمة الديكة خارج نص ( التحيون والشخصنة ) .. ربما هناك علاقة بينه وبين حوادث زمانية مكانية ما ، و المعني الإنسان وحده .
ظل الديك ورفيقة عمره الدجاجة يشكلان مصدراً لبساطة الإنسان وحكمته ، وربما هما الأقرب إلى شدنا للارتباط بالأرض .
في واحدة من أقسى المواجع ، تلمست خيط الدم دافقاً مجراه من نحر الديك ، اهتز معه ضميري ، ووجدان المعذب تحت تلك المدية التي لا ترحم ، متسائلاً عن تلك الجرأة : ( كيف له أن ينحر الطبيعة ) ؟ ..
مرت أيام وأيام ، وتلاشت السنون في متاهات شيب الرأس ، ومحطات الزمان وعصف الحوادث ، الأتعس – ومن ذاكرة لا تمحى – أني جربت أن اكون رجلاً بعد أن اختط السواد على شواربي ، فقد سلموني ديكاً أذبحه ، لم افكر بأية طريقة، أو على أية شريعة ، وبأي حق سأنحر هذا الرفيق المفعم بكل أنواع الصدق والصداقة .
لم تقوَ يداي على ارتكاب جريمة ما .. ليس بحقه فحسب، بل بحقي ؛ إذ إن أعضاء جسدي كانت تختض من هول تلك اللحظة ، بل ما زلت أتذكر تلك الرعشة الساكنة في أعماق روحي ، والمتجلية على جسدي كلما خطرت على بالي تلك المجازفة .
في خريف العمر كما في ربيعه ، التقيت بعديد المناظر الديكية ، واستمتعت بأنواع جمالات السماء المنصهرة بأعماق هذا الإبداع الخلقي ، لكني حزنت مرة لأن ديكين تقاتلا حد الموت أو الاستسلام ، لم ندرِ بتلك الطبيعة الفحولية المتأصلة في ديكينا اللذين ربيناهما فوق السطح . استمر القتال على دجاجة ، حتى استسلم أحدهما بعد أن أعيته الضربات ، وخضب بدمه .
أصبحت حائراً في الحكم ، أداوي وأبكي على الضحية ، أم أتوج العازف مع الفجر يزيح بعوائه فلول الليل ؟
قبل النطق بالحكم ، تمعنت بالمشهد من وجهة نظر أخرى ، فاسترسلت بالحديث أخامر نفسي و أعللها ، لعلي أخفف عني العناء ، فمن ليل الطفولة حتى مشاخات الانحناء ظلت تلك المحنة تجرف من وعي الكثير إثر ذلك العناء !!