بقلم : كلثوم الجوراني ..
_ هلم الي ايها الصغير ، أشار بيده إلى بائع الورد وهو يمسك بكوب قهوته وأوراقه تملأ الطاولة التي أمامه يبدو أنه كاتب ، بخطوات خجولة مشى إليه بائع الورد وقدم إليه وردة حمراء جميلة ويبدو أنها الأخيرة وقبل أن يعطيه النقود نظر إلى قدمي الطفل قائلا :
لم انت حاف ايها الصغير ؟ لم يجبه ولكن نظر في عينيه وكأنه يقول له إنها قصة طويلة ثم أدار وجهه وخرج من باب المقهى فتبعته يكاد يقتلني الفضول . في بادئ الأمر بانت ملامح الانكسار على وجهه ولكن ما أن رأى أحد بائعي الورد حتى انفجر ضاحكا وهو يقول بصوت عال : هااا عموري هل بعت ما لديك من الورد ؟ لا لازال لدي اربع وردات ثم تبادلا الضحكات وكأنهما كانا يتسابقان من ستنفذ ورداته اولا .
سار وسرت خلفه حتى وصل إلى بائع الخبز فأشترى خبزا ثم دخل أحد المحلات ورأيته يشتري علبة جبن صغيرة حمل الخبز والجبن واخذ يسير الحنجلة من شدة فرحه .
وما زلت اسير خلفه حتى دخل أحد الأزقة الضيقة في حي فقير ورأيته يسلم على أهل ذلك الحي وكأنه رجلا كبير ثم دخل إلى ممر بالكاد يمشي فيه فدخلت خلفه وما أن توسط الممر حتى رأيت صبيين يركضان نحوه وهما يصرخان (اجه علوش اجه علوش) ولكنهما استغربا من وجودي فاخذا ينظران الي مما جعل علوش يدير وجهه ليراني فابتسم سائلا:
منذ متى وأنت تسير خلفي؟
أجبته منذ أن خرجت من المقهى تبعتك لاعرف لماذا انت حافٍ ، تنهد ثم أشار بيده نحو باب غرفة تشبه الزنازين وقال: تفضل عمو فدخلت لارى غرفة خلت من كل شيء الا الرطوبة والصدوع التي رسمت على جدرانها أشار إلي أن أجلس فجلست لاستمع له .
قدم لي كأسا من الماء كضيافة ثم جلس بإزائي مطرقا رأسه خجلا وهو يقول :
يا عم لقد سرق الوباء ابوي ولم يبق لنا معين سوى الله ولأنني صغير لم يقبلني أحد للعمل لديه فصرت ابيع الورد في الطرقات لاطعم اخوي .
يا عم أن ثمن النعل يكلفني الكثير ، يكلفني أن يبقى اخوي بلا طعام لأيام وهذا ما لا احتمله
يا عم أن حرارة الاسفلت تحرق قدمي ونظرات الناس تحرق قلبي ولكن ضحكات اخوي تطفئ الحريقين حينما اعود مساء وانا احمل لهما الطعام .