بقلم: كمال فتاح حيدر ..
كلما ترددت الشائعات الداعمة لاعداء الحق، وكلما تصاعدت وتيرة المهاترات عبر منصات التفاهة، وكلما تأرجحت المواقف الأخلاقية والوطنية والإيمانية. وكلما توسعت دائرة المغالطات بين العرب العاربة والعرب المستعربة في هذا الزمن الذي توحدت فيه القوى الشريرة كلها واصطفت مع بعضها البعض لإزهاق أرواح الأبرياء بكل أنواع الأسلحة المحظورة والممنوعة. وكلما تكررت صور المجازر تعود بنا الذاكرة إلى اليوم الذي ألقى فيه سبط الرسول الكريم خطبته الثانية في مواجهة جيوش الدولة الدموية الذين سار في ركابهم الآن (دنس الدغيم) حينما انبرى في الرد على البرغوثي دفاعاً عن آل زياد وآل مروان. .
قال لهم سيد الشهداء وكان على يقين أنهم لن يتراجعوا عن فعلتهم الشنيعة، ولن يعودوا إلى صوابهم. قال: (أجل والله. غدر فيكم قديم، وشجت عليه أصولكم، وتأزرت فروعكم، فكنتم أخبث ثمر شج للناظر، وأكلة للغاصب).
هكذا واجههم بشجاعة فريدة، فاضحا لهم، مثبتا حسن الوفاء وقبح الغدر، ودناءة الشامت. فما كان منهم إلا أن هجموا عليه، وسددوا إليه سهامهم، ورموه بالحجارة، حتى وقع صريعاً إلى الأرض بعد قتال مرير، وعطش شديد، ونزف لم ينقطع. فعادت إلى نفوسهم قوة الغدر. اقتربوا منه رويدا رويدا حتى أحاطوا به، ثم انهالوا عليه بسيوفهم ورماحهم، فكلما امتلأت يداه من دمائه خضب بهما رأسه ولحيته. وهو يقول: هكذا ألقى الله مخضبا بدمي، مغصوبا على حقي. .
كان قبل مصرعه يردد هذه الأبيات:
فإن نهزم فـهزّامونَ قدما
وإن نهزم فغير مهزَّمينا
وما إن طبنا جبن ولكن
منايانا ودولة آخرينا
فقل للشامتين بنا افيقوا
سيلقى الشامتون كما لقينا
ما الذي تغير حتى الآن في هذه الأمة بعد 14 قرناً من الضياع والتمزق والتشتت والتشرذم والتناحر والتنافر ؟. .
كنا حتى وقت قريب تحت رحمة البريطانيين والفرنسيين والإيطاليين، ثم جاءت أمريكا ومن وراءها حلف النيتو لتبسط سلطانها الامبريالي علينا، فتمددت فوق اراضينا بالطول والعرض. وصارت لها قواعد في الأردن (16 قاعدة) وقواعد في سوريا والعراق. .
لم يعد نفطنا لنا، ولا أرضنا لنا. أصبحنا مهددين اكثر من أي وقت مضى بالتقسيم والتجزئة. وفي طريقنا الآن نحو التحول إلى دويلات ضعيفة، وشعوب يبغض بعضها بعضا. .
هذه الصواريخ والراجمات والقاصفات تصب حممها كل يوم فوق رؤوسنا، ولا شغل للقوم سوى الشماتة وتبادل النكات الطائفية المستفزة. نحن الان عبارة عن غرباء في حافل