بقلم : هادي جلو مرعي ..
إنسان ليس ماقبل التاريخ، وليس ماقبل الحضارة، وليس ماقبل الديانات، وليس ماقبل الإكتشافات. إنسان ماقبل مائة عام، أو مائتي عام، أو أكثر، أو أقل.
هذا الإنسان كان بسيطا لايفكر لمسافة بعيدة، ومشكلته عادة في نطاق جغرافي ضيق بحجم قريته الصغيرة وحقول الريف المتباعدة، وربما الجبال، وربما الخيام في البادية وعلاقاته طيبة مع مجايليه،مع القوم القلة الذين يعيش معهم، ويتبادل الحوارات، ويضع المعايير البدائية لعلاقاته مع الآخرين.
هو إنسان ماقبل الكنتاكي، والأطعمة المبسترة والمعالجة، إنسان الطعام البسيط المعد بطريقة ساذجة، إنسان ماقبل البيبسي كولا والكوكا كولا والمشروبات الباردة والحارة المتنوعة التي تقدم على طاولات المطاعم، إنسان ماقبل الفنادق الفارهة والشقق المفروشة والمصاعد الكهربائية، إنسان ماقبل السيارات السريعة والقطارات السريعة والسفن الفاخرة التي تتنقل في البحار السبعة وفيها أجنحة معدة بطريقة عصرية وأثاث فاخر، ومسابح على السطح تقابل النجوم في ليالي المحيط وتطالع الموج العالي، والى جانبها المسارح حيث الرقص والموسيقى والشراب والرغبة في عيش الحياة بسعادة دون التفكير في اليوم التالي.
إنسان ماقبل البذلات الانيقة والطلة الرشيقة واربطة العنق الدقيقة، إنسان ماقبل صالونات التجميل والعطور الرائقة التي تجذب أنفاس المارين، إنسان ماقبل الحروب النووية والصواريخ العابرة والقاصفات المجهزة بآلات الدمار، إنسان كان يعيش الفطرة السليمة ولايبتعد خياله كثيرا عن حدود قريته الى مدينة مجاورة، وحتى الى قرية مجاورة، إنسان يجذبه الحب العذري وحياء النساء قبل إندلاع موجة اللاحياء والمثلية الجنسية والتفكك الأسري والإنزياح الى العلاقات المفتوحة، إنسان لم يكن يتعرض لموجات الإنفتاح الصادمة، إنسان ماقبل إستطلاعات الرأي، والإستبيانات القبيحة عن المساكنة والمواعدة على الأنترنت والجنس المبذول، والفساد المهول، إنسان ماقبل السؤال عن مؤسسة الزواج، وهل ماتزال مجدية وضرورية كما تفعل بعض المنظمات التي تروج للمخالطة الفاضحة.
الإنسان المثالي لم يعد له من وجود، هو اليوم إنسان التطاول على كل شيء، والطمع بكل شيء، والرغبة بكل شيء، لايرضيه ثراء، ويريد مابعد الثراء، ولايريد منصبا، بل مابعد المنصب والمنصب، ولا الوجاهة، بل مابعد الوجاهة، إنسان فقد إنسانيته، وإستسلم لحيوانيته الكاملة.