بقلم الخبير المهندس:- حيدر عبدالجبار البطاط ..
انتشار غازات الكبريت في سماء بغداد هو ظاهرة تعكس واقعًا بيئياً وصحياً متردياً مرتبطاً بالعمليات الصناعية ومحطات الوقود التي تستخدم النفط عالي الكبريت.
هذه الظاهرة، التي تتكرر عادة في موسمي الربيع والخريف، تؤكد ما سبق أن صرحت به وحوربت عليه، وهو الخطر الذي تشكله هذه الانبعاثات على صحة الإنسان والبيئة.
مصادر الغازات الكبريتية وتأثيرها
1.الغازات المحتوية على الكبريت:
تعتبر الهيدروكربونات المحتوية على مركبات كبريتية مثل كبريتيد الهيدروجين (H₂S) من المصادر الرئيسية لهذه الغازات.
ينبعث غاز كبريتيد الهيدروجين برائحة نفاذة تشبه البيض الفاسد، ويأتي بشكل أساسي من المصافي والمصانع التي تعتمد على النفط عالي الكبريت.
2.إنتاج البنزين منخفض الأوكتان:
البنزين الواطئ الأوكتان، الذي يحتوي على نسب عالية من الشوائب بما في ذلك الكبريت، يؤدي عند احتراقه إلى إطلاق مركبات الكبريت في الجو.
هذه المركبات تنتج رائحة كريهة وتساهم في تلوث الهواء، بالإضافة إلى إضعاف كفاءة أنظمة المحفزات المستخدمة لتنقية غازات العادم في السيارات.
3.أنظمة تنقية الوقود غير الفعالة:
المصافي التي لا تقوم بمعالجة الوقود بشكل فعال لإزالة الكبريت تؤدي إلى زيادة تركيز الغازات الكبريتية في الوقود المحترق، مما يفاقم من تلوث الهواء ويزيد من انتشار الروائح الضارة.
4.تأثير الكبريت على المحفزات:
الكبريت يؤثر سلبًا على المحفزات المستخدمة في تقليل الغازات الضارة المنبعثة من السيارات، مما يزيد من انبعاثات الكبريت ويساهم في تلوث الهواء بشكل أكبر.
تأثير محطات الكهرباء وعمليات الاستخراج على انبعاثات الكبريت
محطات توليد الكهرباء التي تعتمد على الوقود الأحفوري تعتبر مصدرًا كبيرًا لانبعاثات غازات الكبريت.
حرق النفط في هذه المحطات يؤدي إلى إطلاق كميات هائلة من ثاني أكسيد الكبريت (SO₂)، الذي يمكن أن يتفاعل مع الماء في الجو لتكوين الأمطار الحمضية التي تلحق أضرارًا بالنباتات والبنية التحتية.
كذلك، فإن عمليات استخراج النفط والغاز تسهم في زيادة كميات غازات الكبريت في الهواء من خلال إطلاق غاز كبريتيد الهيدروجين أثناء عملية الاستخراج، خاصة إذا لم تتم معالجة الغازات بشكل صحيح.
دور السيارات والوقود الرديء في تلوث الهواء
تزايد أعداد السيارات في المدن الكبرى مثل بغداد، واستخدام الوقود منخفض الجودة، يؤديان إلى زيادة انبعاثات غازات الكبريت.
السيارات التي تعمل على البنزين منخفض الأوكتان، أو التي تفتقر إلى أنظمة تنقية العادم الفعالة، تكون مصدرًا رئيسيًا لانبعاثات الكبريت.
هذه الانبعاثات تؤدي إلى تلوث الهواء، ما يفاقم من مشاكل صحية مثل الربو وأمراض الجهاز التنفسي.
الظروف المناخية وارتفاع التلوث الكبريتي
في فترات الاستقرار المناخي، خصوصًا في بداية فصلي الربيع والخريف، تتباطأ الرياح مما يؤدي إلى حدوث ظاهرة الانقلاب الجوي .
هذه الظاهرة تحبس الغازات الملوثة، بما في ذلك الكبريت، قرب سطح الأرض، ما يجعل استشعارها أكثر وضوحًا لدى السكان.
المصادر الرئيسية لهذا التلوث تشمل المصافي، معامل الطابوق، محطات توليد الكهرباء، معامل الأسفلت والأنشطة الصناعية الأخرى.
الأضرار البيئية والصحية
التلوث الكبريتي ليس مجرد مسألة متعلقة بالروائح الكريهة، بل يمثل خطرًا حقيقيًا على الصحة العامة والبيئة. التعرض المستمر لثاني أكسيد الكبريت يؤدي إلى تهيج الجهاز التنفسي، وزيادة حالات الأمراض التنفسية والقلبية. كما أن الأمطار الحمضية الناتجة عن تفاعل غازات الكبريت مع الماء في الجو تلحق أضرارًا بالنباتات، المباني، والبنية التحتية.
موقف حذر ومحاربة على مدى السنوات
رغم التحذيرات المتكررة من تزايد انبعاثات الكبريت وتأثيرها على البيئة وصحة الإنسان التي أطلقتها مرارا وتكرارا ، لم يكترث أحد لهذه التحذيرات.
وعلى العكس، تمت محاربة كل من حاول تسليط الضوء على هذه القضايا البيئية والصحية و أنا في مقدمتهم ، وذلك بسبب مواقف وطنية أملت علينا ضرورة مواجهة هذه التهديدات بشكل صريح.
الخلاصة
تفاقم مشكلة انبعاثات الكبريت في بغداد والمدن المجاورة هو نتيجة لتراكم عدة عوامل بيئية وصناعية.
يجب أن تكون معالجة هذه المشكلة من خلال تقليل الاعتماد على الوقود الرديء، تحسين تقنيات المصافي ومحطات الكهرباء، واعتماد أنظمة مراقبة بيئية صارمة.