بقلم : حسين الذكر ..
في حوار مسرحي قديم ، قال رئيس العصابة لاحد افراد مجموعته : ( سنسرق المليون دولار .. وتحقق احلامك بشراء كل ما تريد وتشتهي ) .. فقال اللص متعجبا : ( يا الله .. حقا يمكنني شراء رغيف خبز وشوكلاته ..) . فاجابه الرئيس : ( يا مجنون .. كل شيء حقق احلامك .. ارتقي بتفكيرك والا اطردك ) .. فرد اللص : ( لقد فهمت .. يمكنني شراء مدفئة نفطية واتغطى بملحف صوف اول مرة بحياتي ) .
بعد تدمير العراق خلال ما يسمى ( بأزمة الكويت ) .. كنت اتمشى بسوق المتنبي أواخر عام 1991 وقد سالتني احد القنوات الفضائية الأجنبية عبر المترجم عن أحلامي كشاب عراقي آنذاك ، فقلت : أتمنى ان أكون على بينة من امري وان ينتفي الألم العام ) . بعدها تبسم مراسل القناة الأشقر ذو العيون الزرقاء رافعا حاجبيه .. فالتفت الي المترجم قائلا : ( انه لم يفهم ماذا تريد وما هي احلامك في العام الجديد ) .. فقلت .. دعه من الافضل ان لا يفهم ماذا نريد ..!
بقيت اردد واكتب هذه الأمنية … دون تبدل مع تغير حالي واهلي والمجتمع وتحول النظام من شمولي صارم الى فوضوي عام .. وكبرت وابيض شعر راسي واتسعت مداركي .. الا ان شيء لم يتغير من امنياتي التي لم يتحقق منها شيء حتى الان .. ففيما كان يحدونا الأمل أيام القسوة والبطش والتفرد بان الدنيا لا تدوم ولا بد لشمس الحرية ان تشرق .. لكن لم تشرق تلك الشمس ولم تتغير طريقة تعبيرنا الخائفة عبر الهمس ..
سالني اصدقائي عن تلك الامنيات التي اضعها شعارا دائما بصفحتي على التواصل .. فقلت : ( تلك امنيات وطموحات عامة كبرى .. لا اظني ساحقق منها شيئا .. ) . اما امنياتي الشخصية فقد ظلت كما كانت قبل 2003 وستبقى .. اذ لا مؤشر في التغيير .. كانت جل طموحاتي تأسيس : ( منتدى او ملتقى متميز نوع ما ) .. اسميه رواق سقراط اجعل منه شبيه او امنية للمدينة الفاضلة .. امتلك فيه الحرية الحقيقية لطرح كل المسائل الفكرية بعيدا عن الانقياد لتراكمات وخلفيات مسبقة . وان يكون رواد مركزنا من الاحرار فعلا يجمعنا هدف وطريق الخير والحرية والحقيقة .. نبتعد قدر الإمكان عن جميع الامراض والمصالح الضيقة والمشخصنة والمسيسة .. وان نكون احرار بطرح الأفكار ونقاشها وان لا نجبر على وضع صورة او شعار ما او أي ما يشير للتنافس والتنابز والتقاتل على ارض الواقع.. وان لا نسمح لدخول هذا المركز الا لرواد الحقيقة من المتعلمين المثقفين الواعين نظيفي اليد والسيرة .. وان نمنع تناول السكائر والاريكيلة والمسكرات .. وان لا يصرف علينا من أي جهة سياسية .. ونديره باليات ذاتية بسيطة ) ..
بعد كل هذه العقود والمتغيرات .. شعرت بالفشل الساحق بتحقيق أي من امنياتي العامة والخاصة .. فقد تبين ان الأنظمة والاجندات والعادات والاعراف في بلدي تقف حجر عثرة بطريق أي مشروع للتفكير الحر ..
حتى تيقنت سخف طريقة تفكيري وتفاهة طموحاتي وامنياتي الطوباوية غير المنسجمة مع ارض الواقع … بل وينطبق عليها تماما المثل العربي الشهير : ( عرب وين .. طنبورة وين ) .. فالناس تريد الخبز والبصل .. والدهين .. اما حرية التفكير فهي مجرد ترهات في راس خاوية ..