بقلم: كمال فتاح حيدر ..
ما الذي تغير في هتافات الشعوب العربية المرغمة على موالاة السلطات الحاكمة، والمرغمة على التغني بأمجاد الزعماء منذ منتصف القرن الماضي وحتى يومنا هذا. .
اذكر في الستينيات لما كنا في مرحلة الدراسة الابتدائية. كان المعلمون في مدارس البصرة يقودون التلاميذ كما الخراف الصغيرة، ولكل مدرسة مساحتها المخصصة لها على ناصية الطريق المؤدي إلى المطار القديم لكي يرحبوا بقدوم السيد الرئيس الذي لا يعرفون اسمه ولا رسمه (ربما كان عبد السلام أو عبد الرحمن)، فيرددون هتافات ببغاوية مكتوبة سلفا، من مثل: (اهلاً بالقائد كل البصرة ترحب بيه)، أو: (حياك يا سيدي يا منور البصرة). .
وكانت تلك السياقات سائدة ومنتشرة في العراق وسوريا ومصر وليبيا وتونس والسودان والجزائر. .
يتناول الدكتور توفيق الحكيم في كتابه (عودة الوعي) كيفية تنظيم التصفيق والهتافات التي ترددها الحشود البشرية لاستقبال جمال عبدالناصر عند عودته من رحلة خارجية. لم يكن التصفيق عفويا ولم يكن حضورهم طوعياً. فيقول: (قابلت ذات يوم رجل اعرفه من اهل الريف، سألته عن سبب وجوده في القاهرة ؟، فقال: ان عناصر الاتحاد الاشتراكي هم الذين اجبروه على الحضور من الريف بواسطة القطارات، وبتذاكر جرى توزيعها عليهم للاحتشاد في استقبال القائد الضرورة، وكانت إقامة المتظاهرين القادمين من الريف على نفقة الدولة، ويتعين عليهم ان يهتفوا طبقا للشعارات المطبوعة والموزعة عليهم). .
وفي مصر أيضاً ظل لسان الشاعر الكبير (احمد فؤاد نجم) حادا سليطا في انتقاد سياسات الرؤساء العرب، ولم تمنعه السجون من جلدهم ونتف ريشهم. .
وانتقد الكاتب السوري الكبير (محمد الماغوط) الاجواء السلطوية أو الخديوية التي كان يعيشها معظم الزعماء العرب في مسرحيته الكوميدية: (كاسك يا وطن)، وللكاتب نفسه مسرحية اخرى بعنوان: (شقائق النعمان). يقول في احد فصولها: (عمرها ما كانت مشكلتنا مع الله، مشكلتنا مع الذين يعتبرون أنفسهم بعد الله). .
وفي العواصم العربية الأخرى كانت الحافلات الحكومية تجوب الشوارع وتقتحم الأسواق والمجمعات السكنية، وترغم الناس على ركوب الباصات عنوة، ثم تنقلهم إلى ملعب كرة القديم من اجل سماع خطاب السيد الرئيس المفدى، ومن اجل ترديد الهتافات المكتوبة، إرضاءً لغروره حفظه الله ورعاه، وهو يعلم علم اليقين ان الحشود التي امتلأت بهم الساحات حضروا إلى هنا بالقوة. .
منذ سنوات والجماهير العربية تهتف للزعماء الذين ظلوا يكررون الخطابات نفسها. لا فقيرنا شبع، ولا مريضنا تماثل للشفاء. ولا الشخص المناسب ارتقى إلى المكان المناسب. .