بقلم: كمال فتاح حيدر ..
حكايتنا هذه المرة تتناول الإجراءات الدونية التي تبنتها بعض الأنظمة العربية، وتتناول أيضاً إجراءات نبيلة ترفع الرأس، تفاخرت بها أنظمة عربية أخرى. .
وعلى وجه العموم نرى انها (سواء كانت من النوع التعيس أو النفيس) تستحق العرض لمعرفة حجم الانحراف الذي شهدته الاخلاق الدبلوماسية ومفارقاتها العجيبة. .
مثال على ذلك نذكر: ان الحكومة السودانية في زمن (النميري) تنمرت وتبطرت على الشاعر الكبير (محمد مفتاح الفيتوري)، فسحبت منه الجواز والجنسية عام 1974، وعزلته عن مهام عمله كسفير في لبنان لأسباب مزاجية بحتة. فأصبح بين ليلة وضحاها، بلا عمل، وبلا هوية، وبلا وطن. .
ولما وصل الخبر إلى العقيد القذافي، ارسل طائرة خاصة إلى مطار بيروت حملت السفير المعزول وأولاده الى طرابلس، وكان العقيد بإنتظار (الفيتوري) في خيمته المعهودة، حيث استقبله استقبال المحبين، ومنحه الجنسية الليبية، واصدر قراراً فوريا بتعيينه سفيرا فوق العادة ووزيرا مفوضا في لندن. .
وبالمقابل لدينا وزير عراقي مستقل، ثم صار هذا الوزير من خيرة النواب الذين تميزوا بالذود عن حقوق الفقراء، لكنه كان متقاطعا مع معظم الكيانات السياسية المتنفذة، فناصبوه العداء منذ عام 2016 وحتى يومنا هذا، وكانوا وراء تمويل الحملات الاستهدافية لتشويه صورته، حتى وصل بهم الخبث إلى تحريك الدعاوى الكيدية الملفقة، وظلوا يتحينون الفرص للانتقام منه لأنه ليس منهم، ولا يشبههم، وربما بدوافع الغيرة والحسد بسبب قاعدته الجماهيرية الكبيرة وتعاطف الناس معه. ثم وقع ما لا يخطر على البال حينما استغلوا علاقاتهم الاقليمية لتضييق الخناق عليه، ومضايقته في المطارات والمنافذ، مستخدمين نفوذهم الدبلوماسي للتنكيل به بأساليب دنيئة لا يلجأ اليها إلا الذين فقدوا مروءتهم وباعوا انفسهم للشيطان. .
الشيء الآخر ان هذا النائب والوزير الأسبق عرفته المنصات العلمية والنوافذ الأدبية. وشهدت الصحافة والجامعات والمكتبات بدراساته وكتاباته ومؤلفاته الرصينة. لكنهم حرموه من وطنه، ومنعوه من زيارة عائلته. .
لم يرتكب جرما ولم يقترف إثما، فهو غير مدان بجريمة مخلة بالشرف، ولا من تجار المخدرات، ولا من مهربي المشتقات النفطية، وليست لديه علاقات مريبة، ولا ارصدة في البنوك. لكنهم تحالفوا عليه، وتربصوا به. وكل القصة وما فيها انه ينتمي إلى العراق، ويتصرف بعفوية تامة في التعامل مع المعضلات التنفيذية. ومع ذلك ظل يتصدر قائمة المستهدفين في حكومة عبدالمهدي وفي حكومة الكاظمي، ثم ارتفعت وتيرة الاستهداف في حكومة زميله (السوداني) الذي يعد من اكثر العارفين بالمنغصات التي انهالت فوق رأس هذا الانسان المسالم. .
ختاماً: في ظل غياب مكارم الاخلاق يتعذر على معظم الكيانات السياسية استعادة مروءتها، ذلك لانهم لا يعرفون حدودهم الأخلاقية، ولا يعترفون بكرامة المواطن، ولا يضعونه فوق كل اعتبار. و وصل بهم مستوى الانحدار في الخصومة إلى الحضيض. .
لا شك اننا نتمنى العيش الكريم في هذا البلد العظيم، لكن سفينتنا ظلت تواصل السير في الاتجاه الخاطئ. .