بقلم: د. رولا خالد غانم ..
بعد مرور أكثر من عام على حرب الإبادة و التطهير العرقي و التدمير الممنهج لمختلف مناحي الحياة، تلك الحرب الضروس التي لم ترحم أطفال غزة و لا نساءها ولا رجالها ولا شبابها و كل من فيها و بعد قتل عشرات آلاف الش هداء والجرحى و تشريد ونزوح مئات الآلاف، والتضييق على سكان الضفة من خلال عزل المدن والقرى عن بعضها البعض وتدمير الاقتصاد، بدأت تتكشف وتتضح بوادر المؤامرة التي تستهدف القضية الفلسطينية و المخططات التصفوية لها، إذ اقتنص أقطاب اليمين المتطرف بزعامة نتنياهو و العنصريين الفاشيين بنغفير وسموترتش، الفرصة و أعلنوا الحرب على الشعب الفلسطيني خاصة في غزة المحاصرة منذ عدة سنوات؛ بهدف إحداث تغيير جذري يغيّر وجه المنطقة سياسيا و أمنيا، بتشجيع من الولايات المتحدة الأمريكية و إدارتها التي عبرت عن ذلك بمواقفها و دعمها العسكري لدولة الاحتلال.
و قد تعمد نتنياهو و أركان حكومته المتطرفة إطالة أمد الحرب حتى موعد الانتخابات الأمريكية وكانت جميع المؤشرات تفيد بنجاح دونالد ترمب الذي جاء ليقوم بتصفية القضية الوطنية الفلسطينية من خلال ما بات يعرف بصفقة القرن وهو المقترح الذي قدمه سابقا؛ لإنهاء ما يسمونه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، حيث تهدف هذه الصفقة إلى توطين الفلسطينيين خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة، وإنهاء قضية اللاجئين و شطبها بما في ذلك حق العودة إلى الديار استكمالا لمخطط الشرق الأوسط الجديد .
و أمام هذا التوجه الخطير والتقاء مصالح هؤلاء إذ بات طرح حلّ الدولتين أمنية بعيدة المنال وحل الدولتين هو حل مقترح للصراع العربي الإسرائيلي يقوم على تراجع العرب عن مطلب تحرير كامل فلسطين وعن حل الدولة الواحدة، و يقوم هذا الحل على أساس دولتين في فلسطين التاريخية تعيشان معًا، هما دولة فلسطين إلى جانب إسرائيل، وهو ما أُقِرَّ في مجلس الأمن رقم 242 بعد حرب 1967 وسيطرة إسرائيل على باقي أراضي فلسطين التاريخية. اعتمد بعض الفلسطينيين هذه المبادئ في عام 1974 بالبرنامج المرحلي لمنظمة التحرير الفلسطينية والذي عارضته بعض الفصائل الفلسطينية وقتها.
السؤال الذي يطرح نفسه و بعد فشل المجتمع الدولي فشلا ذريعا في ردع إسرائيل، ووقف حرب الإبادة وعدم اتخاذ موقف صارم، لإيقاف حرب الإجرام والدمار على الشعب الفلسطيني، المنطقة التي على صفيح ساخن في هذه المرحلة ذاهبة إلى أين؟ وماذا على الشعب الفلسطيني أن يفعل لمواجهة هذه التحديات والأخطار، لا بد في هذه المرحلة المترهلة وفي ظل غياب الاستراتيجيات، من بلورة رؤية واضحة تقوم على تجسيد الوحدة الوطنية والتماسك وبث روح الأمل وقمع إشاعة الهزيمة والإحباط، ومعرفة أن ما يصدر من تشريعات أو قرارات أو توجهات عن حكومة الاحتلال الفاشيه أو بعض مكوناتها ليست أقدارا يجب التسليم لها، و لو كانت كذلك لما قاوم الشعب الفلسطيني على مدار سنوات وسنوات.
كما يجب نبذ السلوك العبثي والمتمثل بالترحيل والاستعاضه عن ذلك كله، بفتح حوار جدي ومسؤول حول آليات مواجهة هذه السياسات وكذلك تعزيز الثقة بأنفسنا كشعب ومواطنين وأصحاب حق، وبقدرتنا على التصدي لهذا المخطط الإجرامي وأن نتذكر بأن شعبنا في الماضي نجح بإسقاط العديد من المؤامرات والمشاريع التصفوية، ولا بد في هذه المرحلة من القيام بحملات توعوية وتشكيل لجان طوارئ وفرق تطوع؛ لمواجهة الخطر الداهم على قضيتنا الوطنية و على شعبنا الذي قدّم بالتضحيات الجسام في سبيل حريته و استقلاله و استرداد حقوقه المشروعة و بسط سيادته الوطنية على أرض دولته الفلسطينية المستقلة و عاصمتها القدس الشريف.
و أمام هذه المرحلة المستعصية لا بد أيضا من استخلاص العبر، إذ إننا مدعوون لمغادرة مربعات الفرقة و التشظي السياسي التي لم تحقق لنا شيئا، و الالتفاف حول برنامج كفاحي موحد ولا بد من التكاثف وتقريب وجهات النظر؛ لتعزيز الصمود الحقيقي لأبناء شعبنا.
و علينا أن ندرك خطورة التفشي السرطاني الاحتلالي الاستيطاني الذي يفتك بجسدنا الفلسطيني، لذلك هناك ضرورة ملحّة لرص الصفوف لمواجهته و استئصاله حتى لا ينال منا أو من قضيتنا الوطنية العادلة .