بقلم : حسين الذكر ..
لم تطبق خيوط الظلام على روحي بعد ، كنت التقيته في السوق عشرات المرات ، مع أني اعتقدته مساقاً طول سكة المشوار ، لكنه لم يرمقني بنظرة كراهية أو احترام مرة .
ظل على نسق التحمل تحت أشعة الشمس المنبثقة من زمن لم يعد له رمز على الخارطة، ولا المفكرات .
تذكرته مرة وأنا أمارس عملية الضغط من أجل استجداء النعاس ؛ إذ همس لذاتي آلاف المرات، وصرت أسترجع صوراً ما؛ لعلي أستحضر صبر ذلك الكائن الناهق بمناسبات حصرية جداً ، ربما ليس لها ترتيب زمكاني ، لكنها تصدر بحدود الحاجة ، كما بدا لنا ،ولكل المهتمين بالبحث عن أسرار الحمير .
سألت معلمي الاجتماعي عن معنى الصبر الذي نسبغه على هذا الكائن ، فقال بعد أن ضحك بطعم أصفر لم أعِ إن كان ساخراً أم متهكماً أم متظلماً : ( إن التسخير الكوني لخدمة الإنسان يعد من ضمن ابتلاءات الحمير ) .. !!
لم أستسغ الأحكية ، ولم أصبر على مضض هذا التفسير العنجهي .. رحت أراقب ابن حارتنا (الحمار ) في رواحه وغدوه ، وجدته منغمساً حد الأذنين الطويلتين في خدمة المجتمع، وكذا الفرد من دون رحمة منا ، ولا لفتة حنان من السماء تجاهه ، مع أني أسمع نهيقه مع إطلالة الفجر ، وكأنها تراتيل تسبح بحمد بعيد لا يدرك كنهه إلا الصابرون .
حمداً لله أني لم أرَ مقتولاً منهم على جادة الأرصفة وترسانات الأنقاض ، مع كل الحوادث التي عصفت ببلدي وناسي ، كان الضحية دوماً الإنسان ، ولا أعرف من حمى الحمير ، وكذا بقية الحيوانات من صدامات التخاصم والتنافس والتنازع .. ذلك الشعور بسلامته يغمر أنفاسي بالسعادة مرات ومرات .
ذات يوم ضج الجميع وانتشر الخبر : إن السلطات ألقت القبض على صاحب مطعم كان يؤكلنا من لحم الحمير والخيول ، وليس الأغنام ، تحت عنوان الأغنام وبسعرها المناسب .!
اغتم الجميع لوقع الخبر الذي نزل كالصاعقة على رؤوس الأكالّين ، لكن أحداً منهم لم يترحم على الضحية الذي ظل منبوذاً حتى وهو يصنع لنا بعض الطاقة الخلاقة لاحتمال سخافات يوم جديد.