بقلم : هادي جلو مرعي ..
لهم الحق أن ينزعجوا ياحبيبتي، فمن له القدرة على تحمل هموم ليست همومه، نحن جئنا من بلاد بعيدة نحمل في حقائبنا همومنا وأوجاعنا، والناس لهم هموم وأوجاع وحاجات ومشاكل تكثر وتقل لكنهم لايتوقعون مثل مصائبنا، ولايريدون تحملها والتفكير بها، ولكننا كما ترين صرنا واقعا مرا فرضته الأقدار عليهم كما فرضت علينا الأقدار أن نعيش الحرب والفرقة والهروب بعيدا عن الأهل والصحاب. فصار كل واحد منا في أرض، أوكما يقول إخوتنا العراقيون، كل واحد تحت نجمة، أي إنه في مكان بعيد عن الآخر وقد تفرقنا ولم يعد من أمل كبير في أن نعود الى سوريا التي مزقتها الحرب ودمرتها القنابل، ولايبدو من أفق للحل. فالعالم مجمع على تصفية حساباته على تلك الأرض التي تركناها خلفنا ونحن نحلم بالياسمين والعنب والأزاهير الذابلة والمبتلة بدموع السماء وهي تبكي عذاباتنا.
في محطة القطار كما ترين آلاف السوريين يتناوبون الصبر وينتظرون لحظة ما تنفرج فيها الهموم وتنتهي العذابات لعلنا أن نحشر في قطار ذاهب الى النمسا، وماأدراك ياحبيبتي ما النمسا؟ هي الحلم الأخير بالنسبة لنا، والرغبة الموغلة في التحدي لو قيض لنا الوصول إليها، وصحيح تماما إنني أشعر ببعض اليأس وأنت محبطة وقلقة وجائعة، وقد أرهقتك الأيام وساعات السفر الطويلة والتنقل مشيا على الأقدام من بلد الى آخر، لكن خيارنا الوحيد هو الصمود، فلابد أن يستجيب المسؤولون لضغوطنا، ومع تكاثر اللاجئين سوف تضغط دول الإتحاد الأوربي على بعضها، ويجدون لنا حلا ما، هو من شأنهم، ومن شأننا الإنتظار المر والطويل الذي لابد منه، ولاتراجع عنه.
لاتخشي شيئا ياحبيبتي، فإغلاق المحطة مؤقت وهو نوع من الضغط يمارسه رئيس الوزراء السلوفيني ليحصل على تنازلات من المستشار الألماني ، وشركائه الغربيين، سلوفينيا لاتمتلك القدرات اللازمة لإيواء اللاجئين، وتعلم جيدا إن الوجهة والمقصد بالنسبة لهولاء القادمين من البعيد هي أوربا الغنية، وليست دول كبلغاريا، أو هنجاريا، أو جمهورية الصرب، وأنا متيقن إننا سنمر ونعبر الحدود وحينها سآخذك في جولة في فيينا، وأغني معك أغنية أسمهان، ليالي الأنس في فيينا، سأغنيها لك الآن.
ليالي الأنس في فيينا نسيمها من هوا الجنّة
نغم في الجوّ له رنّة سمعها الطير بكى وغنّى
ما بين رنين الكاس ورنّة الألحان
أدي القوام ميّاس يعاصف الأغصان
تمّ النعيم للروح والعين ما تخلّي قلبك يتهنّى
آدي الحبايب عالجنبين إيهِ اللي فاضل ع الجنّة
متّع شبابك في فيينا دي فيينا روضة من الجنّة
نغم في الجوّ له رنّة سمعها الطير بكى وغنّى
ساعة هنا لو تصفالك تنسى معاها الكون كلّه
إيه اللي رايح يبقالك من النعيم ده غير ظلّه
خيال ساري مع الأوهام
وطيف جاري مع الأحلام
وليه تصبر على الأيام تفوت من غير ما تتهنّى
دي ليلة الأنس في فيينا نسيمها من هوا الجنّة
نغم في الجوّ له رنّة سمعها الطير بكى وغنّى