بقلم : وجيه عباس ..
“الى الناصرية….وإلى حسين …الفتى الناصري الامين الذي عثر على حبات مسبحتي وأعادها لي بعد مرور يوم على فقدانها”.
هذا نُعاسُكِ عينٌ تغزلُ التَعَبا
حتى ليَطبُقَ فيكِ الجفنَ والهُدُبا
رمحٌ بسربِ طيورٍ فوق” شيلتِها”
حتى تعلّقَ بال”چلّابِ” فاضطربا
وكان صوتُكِ ناياتي وأشرعتي
كأنَّ حزنِيَ فيها أورثَ القَصَبا
من “المگيّر” ل”ام شامات” تخذلني
عند الوداع عيونُ الناس والرُقَبا
أنكرتُ ماغزلتْ تلك اليدان هوى
لكن عينيك اغوتني بما اقتربا
وما سيُنكرُ مني لو أتيت لها؟
والناصرية حِجْلٌ جدَّ أو لَعَبا
كانت كأمي وها أنّي بها ولدٌ
وقد كبرتُ، فألقتني هناك أبا
ويا ابنةَ الماءِ والطينِ الذي خُلِقتْ
منه ضفائرُها حتى غدت سُحُبا
وأمطر الكحلَ ماء ُالعين فامتزجتْ
أصابعٌ ترسم “اليا….ويل”.. فانتحبا
ويا ابنةَ الملحِ نغّاراً بتربتها
حتى استوى وعلت في صقعِه القَشَبا
الملحُ كان غريباً حين قيلَ له:
كنْ ناصريةَ هذا الملحِ… فانشعبا
الملحُ “فاهٍ” بلا عينيك سيدتي
فاسّاقطي فيه من أعذاقك الرطبا
الناصريةُ نونُ الكافِ…كُنْ..فجرى
حرفٌ تخلّقَ في مسمارها خشبا
النون كأسٌ، وكانت رحمَ نقطتِها
والبسملاتُ بباءٍ كان منقَلَبا
للناصرية محرابٌ وأدعيةٌ
والحرفُ طفلٌ عليها في الصلاةِ حَبا
توضأ الحرفُ في الأولى قيامتَهِ
حتى استطال، وأجراهُ بها قُبَبا
صلى بها الحرفُ والمحرابُ فاتحةً
وصدّقَ الزمن الماضي بها صَخَبا
في تربِها كان للتوحيدِ مئذنةٌ
منها إليها، وكانت أمَّةً عَرَبا
هنا محمَّدُ وابراهيمُ اصلُهُمُ
وذاك موسى وعيسى الروح مَن صُلبا
وتلك مريمُ والزهراءُ فاطمةٌ
وللحسين دم في إرضه سُكِبا
الناصرية طينٌ قال خالقُه:
كن دمعةً..
فبكى التأريخُ منتحِبا
“للناصريهْ…أردْ اردود” مختنقاً
بألفِ عبرةَ، والحادي بها ثَغَبا
للريل ألفُ جنوبٍ لاتؤذِّنُهُ
الا النعاوي، وصوت الريل قد وثبا
وغترةٍ فوق هامات تظلِّلُها
لتمسح الدمع والأحزان والتَعَبا
يا أوّلَ الحزنِ في الدنيا وآخرَه
وياغريباً، وأهلوهُ بهِ غُرَبا
والعارفون بأنَّ الناسَ تجهلُهُم
ويغفرون لجهل الناس حيثُ كبا
وياسواداً وبعضٌ من مروءتِهِ
أنَّ العراقيِّ مسلوبٌ بما سلبا
متى تكفُّ عن البلوى وتهجرُها
يانبتةَ الضيم ريّاناً ومنسكبا
يا”داخلَ الحزنِ” يا”عريانَ” بحَّتِها
الأرض صوتُكُما، لو أنَّه ندبا
قامت عليه من الغرافِ نائحةٌ
تغشاهُ لو أنَّه من حزنِها هَرَبا
يانبتة الضيم ياينبوع مرَّتِها
ويامسيلَ فراتٍ قد جرى عَذِبا
للملحِ مملكةٌ أورثْتِها خُلِقاً
سمارَ وجهِكِ حتى أنبت الحَسَبا
شددتِ بالقصب البرديْ أصابِعَهم
وأنتِ من أوثقتْ في حبلِها الرُكَبا
والناصريةُ مشحوفٌ، وفالَتُهُ
رمحٌ توارثَ في عشرينِها الغَلَبا
أنى وكيف استباحتْ، لم تزلْ سبباً
ولاتزال لما يأتي بها سَبَبا
بعضُ الذي فيكِ مابي حين أدركُهُ
ولستُ أُنكر فيكِ التبرَ والتُرُبا
وبعضُ مافيكِ إني فيكِ مشتعلٌ
وكان وقدُك في أضلاعه حطبا
أنى سأهربُ من ظلٍّ يصاحبُني
كأنني فيه أشكو البعدَ والقُرُبا
كأنني فيك أرباعٌ موزّعةٌ
من العظام تحاكي الألفَ منتصِبا
كنتُ الصليبَ بها والهاءُ هامتُهُ
ولستُ عيسى، ولكن كنتَهُ إرَبا
وكنتِ مريمَ… ياللّهِ كيف حنا
عليك جذع بما أنبتِّه وَرَبا
ويا”چبيرة بختٍ” من تمائمِها
صرنا كباراً، وإن كنّا به زَغَبا
ومن صنائِعِها لا الشيبُ يصيغُها
وللطفولة عادت وهي بعدُ شبا *
من علَّمت بيديها الحرفَ أزمنةً
كانت ثِقالاً، ولما تشتكي نَصَبا
من أي عهدٍ تجوبينَ المدى سِوَراً
قامت لتتلوكِ في أسفارها كُتُبا
وكنتِ والوطنُ المنهوبُ “شيلَتِها”
ومن عباءتِكِ السوداءِ ما حجبا
وأنت ضرعٌ لمسغوبٍ إذا سَغَبا
ولحمُكِ الحيُّ عنقودٌ بما اختضبا
فمُ البلاد إذا ما الضيمُ أوجعَها
كانت” دِللْولُها” في مهدها عتبا
للناصرية وشمٌ في القلوب بها
يا كلَّما قلتُ، كادَ القلبُ أن يَثِبا
والناصريةُ حِنّاءٌ، وديرَمُها
هذا الذي صبغَ الرمّانَ واحتجبا
كادت لفرط حياءٍ أنْ يُغيِّبَها
لكنَّ سمرتَها غنت لها طربا
وهزّت الجذع في “الزيتون”** فانفرطتْ
حبّاتُ مسبحةٍ فاسّاقطت رُطَبا
وللسواد بها من ألف موجعةٍ
دمٌ على الجسر في أثوابِها خَضَبا
كانت يداها بها التابوتُ ترفعُهُ
كطورِ سيناء لو قامت به انتصبا
وهلهلت فرطَ حزنِ الأرضِ دامعةً
ألا تكون دماء الواهبين هِبا
ويا….دعيني فبعضُ البوح يقتلُني
دماءُ أهليك تضرى دونها غضبا
للصدقِ رائحةُ الموتى تنزُّ دماً
لو ادّعى الصدقَ ندري أنَّهُ كَذَبا
ستون عاماً مريراتٌ بما حملتْ
وكان وجهُكِ فيما بينها قُطُبا
أنّى تدورُ رحاها كنتِ واقفةً
يدورُ ظلُّكِ في أنحائِها طلبا
ما زال صوتُكِ يغشى الريلَ آونةً
ودون “كاظمِكِ الريسان” ما حَزَبا
[اشلون نسلّم يحيى وكاظم لابن الحايچ والحداد]***
- شبا- في الاصل كلمة شباب وحذفت الباء لشهرتها.
** جسر الزيتون حيث حدثت مجزرة حصدت الكثير من ارواح الشباب المطالبين بحقوقهم الوطنية بتاريخ 18 تشرين الثاني 2019.
*** كاظم الريسان شيخ عام عشيرة الحچام، وقد ارسل النظام البعثي كلا من عضو قيادة قطر العراق نعيم حداد وامين سر فرع الناصرية للحزب شهيد كاطع العلي، للقبض على يحيى آل اشحيل وكاظم الريسان فقامت عشيرتهما بقطع سكة قطار البصرة الصاعد الى بغداد وهوسوا بهذه الهوسة الشهيرة.