بقلم : حسن المياح …
ما به الإشتراك بين الراقصة سونيا والسياسي رأفت عبدالحميد في فلم ” الراقصة والسياسي ” هو الكرامة والشرف والعزة والسلوك والأخلاق … فهما مشتركان فيها إبتذالآ وإستسهالآ ، وتخليآ ومجافاة ، وتنازلآ وهبات ، وسلوكآ وممارسة … ، والذي يسهل على المرء التنازل عنه أو الإخلال به ، يفقد قيمته ، ويكون لا ثمن له ، ولذلك الراقصة سونيا لما تخلت عن شرفها فظهرت بكل وقاحة وجسارة عارية ترقص ، ولما تنازلت عن كرامتها فأصبحت بكل إبتذال ورخص سلعة رخيصة معروضة لكل من رغب فيها شراءآ ، ولما إنحرفت بكامل إرادتها الحية الواعية عن وجودها الإنساني العزيز فأصبحت من جنس الأنعام ، بل هي أضل سبيلآ ممارسة حياة حيوانية مباحة لما في الحيوان من طغيان غريزة الجنس سفاحآ علنآ ، بلا خجل ولا تحرج ….. ، ولما تركت بكل حرية إختيارها الديمقراطي سونيا السلوك النبيل المؤدب الخلوق المعتدل الراقي فأصبحت همل وجود سلعة رخيصة باهتة ، لا جذب لها لمن يتسوق الأفضل ، ويتبضع السلعة الأجود ، ويقدم على المعروض الأنظف والأطهر والطازج من أطايب السلع والطعام ….. ، ولما تجافت نزوعآ قالعآ عن الأخلاق الرفيعة الطيبة السامية النبيلة فتردت حالتها وأصبحت من ضمن القطيع الذي يرسل الى المجازر ليذبح ، لأن منافعه قد نضبت ، ولم يعد وجود ذلك القطيع له من الأهمية والأثر حتى يبقى ويستمر …..
والموائز ( الصفات الذاتية ) التي هانت عند سونيا الراقصة الخلوع اللعوب ، هي نفسها تلك الموائز التي تقل قيمتها عند السياسي المسؤول الفاسد لما تتزاحم منافعه التي يطمح اليها ، وتخليه عن تلك الموائز التي تصبح عنده بلا قيمة ولا ثمن ، ويظنها أصباغآ ممكن تغييرها وتبديلها ، من أجل تحقيق ما يصبو اليه ويطمح من مصالح ، ظانآ أن الدولار يغطي العيب ويمسحه ويمحوه ، وأن المنصب يعيد له كرامته وشرفه اللذين فرط بهما ، وذلك لما يقف يستجدي رضا من هو أكبر منه مسؤولية أو يتوافق معه ، ومن هو أرسخ منه تأثيرآ فاعلآ وجود مسؤول حزبي أو كتلي يحقق ما يراد ويطلب ….. فيسهل على السياسي المسؤول الفاسد الوضيع أن يذل نفسه ويسترخصها ويرخصها ، ويقدم التنازلات تلو التنازلات ، ويهون عليه ويقبل — بكل ما يعرض من شروط إلتحاق أوتوافق أو إنتماء إندماج مصلحة — بطواعية ، أن يشد ويربط بالحبل في رقبته ، ليساق حيوانآ رخيصآ ، ومطية ركوب سهلة الإمتطاء والركوب ، وهو المتفاخر والمزهو … ، لأنه سيحصل على المنصب الذي يتقاتل عليه ويتمناه ، والمركز الوظيفي الذي يثبت وجوده المسؤول المتسلط ، ومن أجل أن يديم العلاقة مع الراقصة سونيا التي هي منفذ الرزق والجذب الذي يحقق له منافعه ، ولا ننسى أن سونيا الراقصة هي — كما قلنا سابقآ — رمز لوجودات متعددة ، وتمظهرات متنوعة ……
ونلاحظ بعد كل إنتخابات يحمي وطيس الحراك ، ويتحرك السياسيون نهمآ طموحآ وطمعآ ، يتوسلون كل الطرق المتاحة ، والتي لا تتاح إلا بتقديم تنازلات ، وهم السهل الذي لا يمتنع عن ممارسة أخس المقدمات لتحقيق نتيجة ، وأن الإستدلال المنطقي هنا يتحرك عكسآ مما هو عليه من ترتيب معقول وحكيم ، بالرغم من أن الإستدلال المنطقي يتبع أخس ( أضعف ) المقدمات ، وغالبآ — إن لم نقل دائمآ — ما تكون مقدمات المنطق جيدة النموذج مقبولة الإستدلال في القياس المنطقي ، وتنتج نتائج صحيحة طيبة متوافقة …. ، إلا في السياسة — كحراك تنافس وتسابق — تكون المقدمات الخسيسة خلقآ ، والوضيعة سلوكآ ، والهابطة تعاملآ ، وما الى ذلك من إنحرافات توسلات ، وتوارد سقوطات ، ولبوس تحايلات ، هي الأفضل والأرقى ، والأهم والأجدى ، والأنفع والأسهل ، والأبسط والأءكد ، والأثبت والأقبل ….. ، لذلك ترى السياسي الفاسد يتنازل وبكل إرادة متحمسة ، ويقدم أعز ما عنده بكل وعي وهمة — إن وجدت بقايا من هذه كلها ، حقآ — من أجل أن يكسب الرهان والسباق وهو المنصب ، ومن أجل أن يحقق المسؤولية الأعلى كموقع تكليف الذي يؤمن له نهب الدولار ، وسرقة الدينار ، وأنه السلطان الآمر الذي لا يرد عليه أو يعصى ، ولا يعطل ما يريد ولا يلغى ما ينسب ، وهو الذي لا يتحرك إلا بفرض تحقيق منفعة ذات ، ولا يوعز من إصدار أمر إلا لحاجة في نفسه يجب عليه وينبغي له أن يقضيها …. وهو الرذيل السافل الذي لا يميز أي طرفيه أطول وأنفع …..
هكذا هي السياسة عندنا والتي يعمل بها على أنها ” فن الممكن ” كما تعرف ويقولون عن السياسة … ، وبما هم يسمون بساسة العراق ، أو يطلق عليهم — تهاونآ وهونآ وتجوزآ وصدفة وفلتة وتنازلآ — بالسياسيين … ، — بعزل الصالح منهم ، وما أقلهم حين تميزهم وتفردهم — وفقآ لما هم عليه من إمكان وقابلية ، وصناعة وتصنع ، وقبول وممارسة …….
وإمكانهم وإمكانياتهم هي التنازل المتقولب المتحول ، المتبدل المتحورب ، المتقبل الراضي ، فنيآ وفنونآ وتفننآ ، وحيلة وإحتيالآ ومراوغة ، كما يقولون عنه ويحسبونه ذكاءآ ، وهو — حقيقة — شيطنة مرذولة مرفوضة عقيدة وخلقآ وسلوكآ ووسيلة ….. ؛ ولا أقول كما يظنون لأنهم يعلمون علم اليقين — والظن ليس هو اليقين كما تعرفون — ….. لذلك إرتضوا المبدأ المكيافيلي طريقة سلوك وممارسة ، وإعتزوا بها وهم المرذولون ، فإستخدموا كل مرذول وهابط ، وسافل وناقص ، وسيلة منحرفة وواسطة زيغ …. من أجل الحصول على المنصب والموقع ، والوظيفة والمسؤولية ، التي هي الغاية …..، والمبدأ المكيافيلي المنحرف الهابط الواطيء ،الرزيل الرذيل ، الساقط المنخفض ، ينص على أن الغاية تبرر الواسطة والوسيلة ، مهما كان لون تلك الواسطة ، ومهما كان نوع تلك الوسيلة …. المهم تحقيق الغاية ، وإن كان بلا كرامة ولا شرف ، ولا عزة ولا أخلاق …..
فما هو الفرق بين سلوك سونيا الراقصة العارية المتقحبة المبتذلة الساقطة ، وسلوك السياسي المسؤول الفاسد …. وأءكد على كلمة ( الفاسد ، لأنه هو المقصود بالدقة والتأكيد ، والتحديد والتقييد ) …..
حسن المياح – البصرة .