بقلم : حسن المياح …
《 الجزء الثالث 》
قلنا في الحلقة السابقة أن الإنسان الذي يحسن الإختيار ويصيبه في إتخاذ القوة التي يثق بها ويؤمن ويستقر عليها ويتعامل معها على أنها هي الإله الحقيقي المطلق المستوعب لمسيرته الحضارية ، فإن هذا الإله هو الذي يجب أن يعبد ويطاع ، وتنفذ كل تشريعاته وأوامره ونواهيه ، لأنه يستحق أن يكون معبودآ خالصة له العبادة والطاعة والإمتثال ، لأنه أهل لذلك — حسب تصور وتفكير العقل الإنساني في التقدير والإعتبار والتوصيف — . وأنه المصدر الممون الأوحد الذي يزود بالإمكانات والطاقات والقابليات لديمومة الحياة ، وإستمرار حركة السير الإنساني الحضاري سلوكآ وتصاعدآ وإرتقاءآ وإبداعآ خلاقآ . وقلنا أن هذا الإله هو الإله الحقيقي المطلق المستوعب الذي يهيمن لياقة وجدارة قدرة ، ويسيطر حسن صنع إدارة قيادة ، ويحسن توجيه وإرشاد الإنسان ويدله على معالم إستقامة طريق السير الحضاري ، ويكون معه دومآ تزويد إمكانات ، وتوفير طاقات ، وشحن وقود ودفع معنوي يديم حركة عجلة المسيرة الحضارية ويحافظ على إستمراريتها دوام تحرك وصعود في إبداع خلاق متنام متواصل الى أن يوصلها الى غايتها التي تنشدها ، والتي تعتمد على نوع ومقدار كدحه في حركة السير ، وأنه الضمانة الأكيدة القادرة على تحقيق كامل الأهداف على طول طريق خط سيرها الحضاري . حيث الإنسان في مسيرته الحضارية وسيره الإنساني العامل الكادح الصالح يكسب ثمار تعب كدحه وعمله في النقطة التي يكون فيها ، وأنه يزداد ثمارآ إذا واصل المسير — وهو الوجود الممكن المحدود المتحرك في خط إطلاق منفتح مزود بإمكانات وطاقات لا محدود ، ولكن على قدر تحمل وإستيعاب الإنسان الممكن المحدود المخلوق …… وهذا الإله المطلق المستوعب هو الله سبحانه وتعالى ، الذي إتخذ معبودآ عيودية خالصة نزيهة نقية من قبل الإنسان الحر المختار ، وإرتبط به الإنسان إرتباطآ وثيقآ ، وهو الإله المطلق الحقيقي الشامل الصالح الصادق ، الذي يقود المسيرة الإنسانية الحضارية ……..
وقلنا كذلك في الحلقة السابقة أن الإنسان الذي يخطيء الإختيار وهو الحر المريد ، وينسلخ عن الإرتباط الثابت ، لما يتحول عبث إختيار لمطلق يرتبط به ، ويغيره ، ويبدله ، ويتقلبه ، ولا ترى له من إستقرار ، وهو اللامؤمن المطمئن بما إختار ، واللامتيقن القنوع حينما يختار …. ، فإنه يعيش التيه والفوضى والإضطراب والتخبط ، ولا إستقرار له ، ولا ثبات ….. فهو الصيرورة الوجودية الإنسانية التائهة السائبة المتسولة الضائعة اللامنتمية التي يريحها ( وهو حقيقة الذي يؤذيها ويضرها ويعبث بوجودها الإنساني الكريم ) الإنتقال والتبديل العشوائي ، والتغيير والتحويل اللاواعي ، وأنه كالريشة في مهب الريح ، من أي إتجاه تهب منه الريح تعصف بها حركة زوال إستقرار وجود ، وتنقلها حركة مكان تغيير وجود حال ، وهي المتعرضة لكل هبة نسمة ريح ، أن تبدل مكانها وتنقلها ، وتحركها وتقلبها ، ولا تشم هي رائحة ثبوت وإستقرار لها …. والإنسان الضائع التائه اللامنتمي على مثل هذا الحال ، هل يستطيع ، ويكون بمقدوره أن يساير ويواكب جريان حركة المسيرة الحضارية الصاعدة التي ترتقي إبداعآ خلاقآ ، والتي تتطلب اللياقة والصلاح من الإنسان الذي يكون فيها ، ويجاري ويواكب ويماشي ويخلق عملآ حركيآ كادحآ صالحآ ويبدع إبداعآ ألقآ ، وهو الفاقد للقوة التي تمونه بالإمكانات ، وتزوده بالطاقات ، وترشده بالتعليمات والتوضيحات ، وهو الأعزل الرافض الناكر الملحد لكل قوة أن تكون له إلاهآ مطلقآ يرعاه ويحفظه ويرزقه ويرتب وجوده الإنساني الكريم عندما يلتحق عضوآ مشاركآ بركب المسيرة الحضارية للإنسان …..؟؟؟ !!!
فهل يمكن أن نقول عن تحركه في المسيرة الحضارية هو تحرك حسن جميل موجه مرتبط بمطلق شامل يستند اليه ، ويستمد منه عون الإمكانات المطلق ، ومد الطاقات الشامل ، وأنه يزوده وينعم عليه بوضوح رؤية الهدف الذي يقصده ، وأنه معه ويصاحبه ولا يفارقه على طول وجوده العامل بالكدح الصالح في خط السير الحضاري المتحرك الصاعد ، وأنه يعلمه بنقطة موقعه الذي هو فيها ، ويحفزه ويرغبه على مواصلة حركة المسير والتحرك الصالح الكادح ، ليحقق مواقع أعلى وأرقى جديدة ، تكسبه ثمارآ أكبر وأكثر وأنضج ، وتحدد له مقامه الذي هو يستحقه وفقآ لما بذله من عمل صالح ، وأنفقه من كدح متواصل مستمد من إلاهه المطلق الشامل الذي زوده بكل ما يحتاج اليه من إمكانات وطاقات ، ولكن بقدر قابلية وجوده ، وسعة إناءه الذي هو عليه وفيه . ( أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب ) ………. وهو الضائع التائه ، الضال المنحرف ، اللامعترف واللامستقر على قوة مطلقة شاملة تستوعبه ، وتستوعب حركة المسيرة الإنسانية الحضارية جريان صعود دائم مبدع خلاق متألق … وهو الخالي الوفاض من كل عون إمكانات ، ومد طاقات ، وبوصلة إرشادات وتعليمات وتوضيحات ….. ؟؟؟ !!!
أم أن تحركه تحرك ضائع تائه ، سائب منفلت ، عشوائي خابط ، عابث مضطرب ، متحول متقلب ، وأنه ليس له إرتباط حقيقي ثابت راسخ بقوة مطلقة شاملة مستوعبة ، يستمد منها العون المثري ، والمد المغني ، الذي يحتاجه في وجوده وسيره الحضاري المتقدم الصاعد ، وتزوده بخارطة واضحة مبينة دقيقة حكيمة صادقة ترشده معالم إستقامة الطريق …. وما الى ذلك من هدايات ونصائح ، وإرشادات وتوضيحات ، ومسايرات ومصاحبات ….. ؟؟؟
أقول أن هذا الضياع التائه السائب المضطرب العشوائي المنحرف الذي لا ينتمي الى مطلق شامل … هو حجرة العثرة التي تعيق حركة الإنسان في تطوره الحضاري الإنساني الصاعد المستمر ، الخلاق المتواصل ، المبدع الصالح ………… وهذا الضياع هو نوع من أنواع الإرتباط المرتكز على أساس الخطأ في الإختيار ، وهو اللاإستقرار ، والتخبط ، والعشواء المتنقل المتحول المتغير المتبدل بدون وعي ولا إدراك ، ولا تمييز ولا بصيرة ، وأنه الإنحراف عن خط إستقامة ممارسة حرية الإختيار الواعي المتقن البصير الفالح الناجح …..
حسن المياح – البصرة