بقلم: كاظم فنجان الحمامي …
حدثني استاذي الكابتن (فهمي حمود السعدون) عن موقف وطني رواه له الراحل (مزهر الشاوي) بنفسه. . .
قال: عندما تسلمت مهام الإدارة العليا لمصلحة الموانئ العراقية، فكرت بمراجعة أجورها وعوائدها المالية التي تستوفيها عن كل برميل من النفط بالمقارنة مع بقية موانئ الخليج، فوجدت ان رسومها أقل من رسوم موانئ الخليج بنحو 75٪ ، عندئذ قررت مساواتها مع موانئ دول الجوار، فجاءني مدير شركة النفط مهرولاً الى بيتي في زيارة مفاجأة، وكان بريطاني الجنسية، وما ان جلس في صالة الاستقبال حتى طلب مني التريث، وان لا أثير هذا الموضوع، بذريعة ان الجهات الرسمية لم تفكر بإثارة الموضوع حتى الآن، وطلب مني فقط السكوت عن هذا الأمر مقابل الحصول على مبلغ مليون دينار، يودع بأسمي على الفور في أي بنك اختاره خارج العراق مقابل السكوت والابقاء على الرسوم القديمة المنخفضة، وهو مبلغ يمثل ثروة كبيرة وقتذاك . .
فغضب (مزهر الشاوي) وقال له بنبرة صارمة: أذهب أنت واموالك الى الجحيم، واسمعني جيداً أيها الانجليزي، من ذا الذي سيتصرف بهذا المال الحرام ؟، أنهم حتماً زوجتي وأولادي، وبالتالي فاني سأفقد إحترامي بينهم، ومن المؤكد انهم سينظرون لي بإزدراء واحتقار، ولن تكون لي أي قيمة أمام أفراد عائلتي، وأمام شعبي وأهلي وعشيرتي. .
ثم ثارت ثائرة الشاوي وأمره بمغادرة بيته. وفي صباح اليوم التالي كان قراره نافذا برفع الرسوم الى السقف المتسق مع الموانئ الخليجية. .
كان الشاوي رجل دولة، وقائد وطني من العيار الثقيل، كرّس حياته للارتقاء بالموانئ نحو الأفضل، واشتغل على كل المحاور المينائية، وكان يناضل ويصارع ويكافح من أجل أفكاره الاصلاحية في ظرف عسير كانت فيه مهماته موزعة بين الموانئ ومطار البصرة والسكك الحديدية، وكان هو المسؤول الأول عن حركة النهضة العارمة التي عصفت بالموانئ وجعلتها تعيش عصرها الذهبي في غضون اربع سنوات فقط. .
اللهم كما طيّبت ذكره بين الناس طيّب ذكره في السماء، اللهم أرحمه واغفر له وتجاوز عنه يا رب. . .