بقلم : هادي جلو مرعي …
كان يجلس الى جانبي، وخمنت إنه في الستين من عمره، وعرفت أنه فلسطيني يعيش في أورلاندو بولاية فلوريدا، وإنه عائد الى عمان في المملكة الأردنية الهاشمية، فوالده يحتضر. سألته عن أبنائه، ولماذا عاد لوحده، وكم سيبقى في عمان، تخيلت كيف سيعود الى امريكا بعد أن يحظى بنظرة أخيرة في وجه أبيه، وهو يكفكف دمعاته، بينما العمات والخالات، أو من بقي منهن على قيد الحياة، وربما أبناء الخؤولة والعمومة يواسونه بكلمات باردة، فهو بعيد مثلهم عن الجذور، وراحل قريبا الى نقطة قصية في الكوكب، وهولايعلم إني أستحضر صورا من نسج خيالي، لكنها حقيقية في بعض منها، ورغم إني قرأت نسخا عدة من مجلات عربية إبتعتها من مكتبة (ضياء السعداوي) في فرجينيا، وكانت تلك المجلات إجتمعت على مواضيع فنية تتحدث عن حياة الفنان الراحل أحمد زكي، لكنني كنت أعيش لحظة حزن كافرة وأنا أتقمص شخصية هذا الفلسطيني المكلوم، وأتمعن في وجهه وشعره الأشيب، وهل سيعود يوما الى الوطن الأم، ام إنه سيفضل البقاء في المهجر؟ وقلت لصديقي الفلسطيني الذي ولد في بغداد لابوين جاءا لاجئين وتوفيا ودفنا في مقبرة من مقابرها: هل ستعود لفلسطين لو تحررت؟ وقال: لا، فقد تعودت العيش هنا، ولكنني سافرح بالتحرير وسازور فلسطين لاحتفي، فهناك فلسطينيون في مواطن اللجوء يفوقون عدد الفلسطينيين في الداخل تجمعهم هموم تتشابه.
أبلغني الصديق: إن دولا أوربية من بينها بريطانيا تمنح اللجوء للفلسطينيين، وإن رسائل عبر الهاتف تصل للبعض ليتحضروا لتلك الهجرة، على أن يجنسوا لاحقا، وقد قال له أحد الموظفين في دوائر الإقامة:إننا لانمنحكم الجنسية لكي لاتنسوا قضيتكم المركزية، بينما يتم تذويب الفلسطينيين من خلال منحهم اللجوء لدول في أوربا، وسواها من بلدان لكي يضيعوا حق العودة، ولايعودوا يفكرون بوطن الآباء والأجداد، ويندمجوا بمجتمعات غريبة، يضيعون في متاهاتها، وهي متاهات مرهقة تفصل الأجيال الجديدة عن تاريخ من المعاناة والإحتلال والمؤامرات، ومحاولات التذويب عبر الترغيب والترهيب، فتارة يخوفونهم بمايمكن أن يقوم به الإحتلال من إجراءات ظالمة وتعسفية كالإعتقال، والحرمان من حق العودة، حتى إنهم إعتقلوا طالبة دكتوراه لأنها شاركت في مؤتمر عن حق العودة،بينما يستمرون في قضم الأراضي، وبناء المستوطنات، وقتل الشبان على الشبهة، والإعتداء لمجرد الشك في سلوك مواطن في الشارع، ويقمعون السجناء في المعتقلات، ويحرمونهم من أبسط الحقوق، ولذلك فالسلوك الصحيح هو عدم الإنخداع ببعض الإغراءات التي تحاول دوائر متواطئة مع المحتل الترويج لها، ودفع الفلسطينيين ليعدوها منجزا وفرجا، فالإحتلال لابد أن يزول مهما طال به أمد البقاء، وهو بقاء موقت ع