بلاويكم نيوز

نساء في مشاغل العمل

0

بقلم : د. مظهر محمد صالح …
وجدتُ نفسي وانا اتطلع عالياَ في تلك الحديقة المشرقة بالبهجة وكيف تبدو من خلال الاغصان الصيفية كانها ملهاة صادقة لايجدر بنا ان نهجرها ونحن من قضينا شهور طويلة متدثرين في ثلوج شتاء القارة الامريكية الشمالية. ولم يفاجئنِ شيء سوى تلك التحية الهادئة التي تلقيتها وانا مسترخي على مقعدي من سيدة ممشوقة القامة ذات شكيمة وقوة دون ان تدفن اساريرها ما جعلت ظهيرة ذلك اليوم خلة مشرقة يخالها المرء مايشاء. اتخذت موقف الدفاع منها حتى استرد انفاسي واجمع شمل عزيمتي دون تردد كي ارد التحية و ابادرها السؤال: من انت ؟توقفت السيدة امامي وقد حمل ثغرها ابتسامة هادئة مشبعة بالود قائلة هل استطيع الجلوس الى جانبك على هذه الاريكة التي ازدان بها المكان؟اجبتها بنعم …ثم واصلت هي الكلام ان ابنتي (مارتا) ذات الثمان سنوات هي تلك التي تلعب مع ابنتك جنباً الى جنب في هذا الفضاء كونهما في مدرسة واحدة …هنا اقتربت دوائر معرفتنا وبادرتني مباشرة بالسؤال ماذا تعمل في هذه البلاد الباردة ايها الرجل الشرقي؟اجبتها بحرارة بأني اواصل دراستي العالية في علم الاقتصاد.سكتت الامرأة هنيهة قائلةَ :ماهي معرفتك بالاشتراكية في جيكيا وهي بلادي التي هاجرتها قبل سنوات كي استقرفي هذه البقعة من العالم ؟هنا تبسمتُ ولم اجد امامي سوى جملة واحدة كانت ترددها المدرسة الاشتراكية الجيكية وغيرها وهي:من كل حسب طاقته ولكل حسب عمله…!! سكتت السيدة قليلاً لتجيبني بنعم انها الاشتراكية …. انه النظام القائم على نزع الملكية الخاصة وتحويلها الى ملكية عامة.ثم استطردت قائلةً:للاسف اديت خدمات ناجحة في بلادي ولكن الازمة العامة للاشتراكية التي بلغت اشدها في التطبيق جعلتني ان آثر عواطفي الشخصية على المصلحة العامة بعد ان تمسك نفر من قادة البلاد لانفسهم بشعار: لكل حسب عمله ولكل حسب حاجته و لوحدهم …!!فتخليت عن بلادي في زمن لم تنته فيه نذر الصراع داخل المعسكر الجيكي للاشتراكية على تقسيم رغيف الخبز.ووجدت امامي مهمة ثقيلة ومتشعبة خلفها صراع الاقوياء،ولم تعوزنى القوة او العزيمة كي اخمد انفاسي لاحمي ضعف نفسي من الاقوياء الا الهزيمة او الهجرة عبر الاطلسي.وها انا اليوم في واحة الراسمالية …. ثم غطت ام مارتا في سكوت عميق وتوقفت عن مواصلة الكلام ولكن ظل شيء حزين يصرخ من نوافذ صمتها واستدركت قائلة :ان هذه الواحة الثلجية هي كالنارتحرق بلا رحمة حتى تذوب قسوتها. قلت لها عن ماذا تتحدثين سيدتي؟.اجابت انا اتحدث عن لهيب اخر محاط بالثلج ولكن حفرت على جدرانه :لقد انتهت حياتك على بوابات جحيم اسمه الراسمالية…!! حزنتُ على هذه السيدة التي ارادت ان تقول ان ارباب راس المال في مشاغل العمل يريدون منها ان ترمي بجسدها تحت اقدامهم وان تستغفرهم قبل ان تمسك بفرصة عيشها وتحصيل رزقها.وانها في بطالة مستمرة طالما لم يكف اصحاب العمل عن مكائدهم الحيوانية لبلوغ نزواتهم وتحقيق شهواتهم وهي تردد انهم يريدون تشغيلي ولكن بشرط خلع مبادئي الكاثوليكية….التي تركت جيكيا الاشتراكية من اجلها!!
نظرتُ الى تلك السيدة الكاثوليكية المشرقة اللامعة وبشفقة وهي من سلالة شمس اوروبا لاجد ان مشاغل العمل في شمال القارة الامريكية امست تتصيد النساء لتغتال العلاقات الزوجية والمباديء الانسانية بعلاقات عمل حافلة بالخيانة بعد ان تحاك مكائدها على ارغفة العيش دون حذر يذكر.قلت للسيدة ام مارتا: ماهي الحكمة التي خرجت بها وانت تقارنين الحياة بين نظامين اقتصاديين مختلفين؟اجابت : لقد سلط علينا سوء الحظ عدواً اسمه الافكار فغزانا من الداخل وعبث بمستقبلنا ايما عبث بعد ان ولدنا احراراً …..واننا لم نُخلق عقاراً او تراثاً ليحكم علينا في مشاغل العمل الراسمالية بالنفي المؤبد مالم تصادر اجسادنا….!!
بين صيف العام 1983 وصيف العام 2018ادهشني خبرٌ مفاده ان ثمة 16 الف عاملة من شمال افريقا وتخوم المغرب ممن يعملن موسمياً باجور يومية في مزارع اسبانيا لجني محصول( الفراولا) يتعرضن احياناً للاغتصاب او التحرش الجنسي ولا حيلة لضعيف في هذه الفرص غير المتكافئة .و طالما لم تسلم النساء الضعاف من الجور والاعتداء في مشاغل العمل فان سُحباً قد انعقدت في السماء وستظل حزينة طالما يتخللها دخان اسود . ختاماً،يقول الكاتب والصحفي الاسباني دييغو كاناميرو من حزب بوديموس (اليسار المتطرف) انه ليس من الممكن في اوروبا في القرن الحادي والعشرين ان نبيع (الفراولا) على هذا النحو وهي تحمل طعم الاستغلال والاهانة والانتهاكات للنساء في مشاغل العمل.
(( انتهى))

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول قراءة المزيد

سياسة الخصوصية وملفات تعريف الارتباط