بقلم : فالح حسون الدراجي …
لا يمكن لأي إنسان، شريطة أن يكون إنساناً، بكامل المعاني الإنسانية، أن يمر على بستان الشهداء، والشهيدات العراقيات، دون أن يتوقف عند شجرة طرية خضراء رغم مرور اربعين سنة على رحيلها، وإقامتها في هذا البستان البعيد جداً، والقريب جداً، ودون أن يضع وردة حمراء على حزام هذه الشجرة المزدحمة بالجمال، والروعة.. فهذه الشجرة الزاهرة التي تناثرت حروف أبجديتها على الأغصان والاوراق، هي شجرة لفتاة باهرة ومضيئة وعذبة، وناعمة وزكية كعود العنبر، وطاهرة أطهر من المطر، والضوء، وماء الينابيع، وأنبل من كل معاني النبل في الكون.. فتاة اختطفها الجلادون من بين زملائها في كلية الزراعة بجامعة بغداد، وتجرأ أحفاد هتلر فسلخوا جلدها في (مسالخ أمن بغداد) مرتين، ثم وقف المجرم عواد البندر أمامها ذليلاً في محكمة العار، ليصدر عليها -بكل سفالة – حكماً بالإعدام، ويأتي بعده قدوة السفاحين ومعلمهم صدام حسين ليضع توقيعه ( الفاحش) على قرار الحكم، ثم ينفذ الجبناء بكل خسة حكماً بالموت على فتاة عمرها 18 سنة فقط، فتاة جريمتها – الكبرى – قراءة جريدة طريق الشعب في الكلية لا غير، إذ يبدو أن هذه الجريدة خطرة على نظامهم المرعوب، فتباً لنظام يرتعب من فتاة رقيقة مثل وردة قرنفل، وتباً لسلطة ترتجف من قراءة جريدة، والخزي والعار لمن يدعي البطولة والرجولة، فيخشى فتاة في الصف الاول جامعي!
وإذا كانت نادية گورگيس قد أُعدمت قبل أربعين عاماً في سجن أبو غريب، وفي ذلك الصباح الكانوني البارد، فإن أنفاسها الزكية ودماءها الطاهرة قد تألقت نجمة في السماء تضيء ليل الشيوعيات المناضلات، والمتشحات بألق نادية، ورفيقاتها من الشهيدات الشامخات .
ولعل الامر الذي يجب ذكره هنا، أن نادية التي هي ضوؤنا في السماء، لها شقيق هو الآخر نجم يشع في الملاعب، ويضيء في ساحات الجمال الكروي.. إنه لاعب المنتخب العراقي باسل گورگيس، فأي عائلة هذه التي تمنحنا الضوء والجمال والفخر، والأهم من كل هذا: تمنحنا ما نحتاج اليه: الأمل والحلم والعزم على تحقيق الأماني، مهما كانت بعيدة .. نادية گورگيس وباسل گورگيس نجمان، واحد يضيء في زرقة السماء، وآخر يضيء في ليالي الأرض ..
نادية وباسل مسيحيان عراقيان، يفخر بهما المسلمون والمندائيون والأيزيديون، والمسيحيون حتماً ..