بقلم : أياد السماوي ..
لست مبالغا إذا قلت أنّ ما جاء في قرار المحكمة الاتحادية العليا ( 23 وموحدتها 25 / اتحادية / 2022 ) المتعلّق بشرعيّة مؤسسات الدولة الاتحادية والإقليمية , هو من أروع القرارات التي اتخذتها المحكمة الاتحادية العليا منذ تاسيسها عام 2005 وحتى الآن , ولا شّك أنّ ما جاء في هذا القرار باعتبار ( أنّ الالتزام التام بأحكام الدستور هو الذي يعطي الشرعية لمؤسسات الدولة الاتحادية والإقليمية وبخلافه تفتقد تلك المؤسسات شرعيتها ) قد جاء لسد نقص كبير في الدستور العراقي , فالدستور العراقي قد اعتبر جريمة انتهاك الدستور هي من الجرائم الكبرى التي تستوجب إعفاء رئيس الجمهورية من منصبه بعد إدانته من قبل المحكمة الاتحادية العليا , إضافة إلى جريمتي الخيانة العضمى والحنث باليمين الدستورية , وعقوبة الإدانة بأحد هذه الجرائم تصل حد الإعدام كما في حالة الخيانة العظمى , ولكن الدستور العراقي وللأسف لم يعالج موضوع انتهاك الدستور من قبل مؤسسات الدولة الاتحادية والإقليمية والمحليّة , فقد ينتهك الدستور مجلس النواب أو احد اعضائه أو الحكومة الاتحادية أو أحد أعضائها أو حكومة الإقليم أو الادارات المحلية .. وبالتالي فإنّ ما جاء في قرار المحكمة الاتحادية هو في الحقيقة لسد هذا النقص الكبير في الدستور وذلك من خلال سحب الشرعية من أيّ سلطة أو مؤسسة تنتهك أحكام الدستور وتخرقه , سواء كانت اتحادية أو إقليمية أو محلية ..
في العراق كلّ السلطات والمؤسسات قد خرقت وانتهكت الدستور دون استثناء , بل أنّ لجنة الأمر الديواني رقم 29 , قد مارست أبشع أنواع التعذيب الجسدي والنفسي المحرّم بالدستور والقانون بحق المعتقلين والذي وصل حد الموت لبعض المعتقلين , من دون أن يرّف جفن لكافة السلطات بوضع حدّ لهذه الجرائم التي سوّدت وجه النظام القائم , بل أنّ بعض القضاة المنتدبين في اللجنة التحقيقية للأمر الديواني 29 قد شاركوا بأنفسهم بهذه الانتهاكات , والأنكى من ذلك إصدار أحكاما ظالمة وجائرة بحق المعتقلين بناء على اعترافات انتزعت منهم تحت التعذيب الوحشي والتهديد باغتصاب أعراضهم .. ناهيك عن الانتهاكات والخروق الدستورية التي مارستها حكومة الإقليم وكذلك الانتهاكات والخروق الدستورية التي مارستها السلطة التشريعية وعدم التزامها بأحكام الدستور , ولعلّ الخرق الدستوري الحاصل الآن والمتمّثل بعدم التزام مجلس النواب بأحكام ( المادة / 61 / ثالثا ) المتعلّقة بانتخاب رئيس الجمهورية , هو خير مثال لانتهاك الدستور وعدم الالتزام بأحكامه ..
فالدستور هو الوثيقة الأعلى والأسمى التي تتمّتع بالعلويّة الدستورية والقانونية , فالقوّة الملزمة لأحكامه توجب على السلطات كافة الالتزام التام بأحكامه وعدم الخروج عليها أو مخالفة هذه الاحكام , وبالتالي فإنّ من يخالف الدستور أو لا يلتزم بأحكامه يفقد شرعيّته ويجب أن تسحب منه هذه الشرعيّة .. وعلى أساس هذا المبدأ الدستوري جاء قرار المحكمة الاتحادية العليا باعتبار المؤسسات الاتحادية والإقليمية فاقدة لشرعيتها في حالة عدم التزامها التام بأحكام الدستور .. والقول أنّ ( المادة 64 ) من الدستور هي الطريق الوحيد لحلّ مجلس النواب ولا طريق غيره , يتعارض مع قرار المحكمة الاتحادية العليا رقم ( 23 وموحدتها 25 / اتحادية / 2022 ) البات والملزم لكافة السلطات .. فحل مجلس النواب بعد سحب الشرعيّة منه هو الإجراء الدستوري والقانوني لجريمة خرق وانتهاك الدستور وعدم الالتزام بأحكامه ..
أياد السماوي
في 04 / 04 / 2022